تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبالإضافة إلى هذين البطلين هناك الراوي واسمه المنذر بن هُمام، وولدا العجوز وهما غريب وحبيب اللذان يظهران من حين إلى حين. وتدور أحداث المقامات كلها ما خلا المقامتين الثلاثين والخمسين حول أعمال الاحتيال المتنوعة التي يقوم بها العجوز، وحول مهارته في الوعظ في موضوع الموت والحياة الآخرة عادة. ويرسم لنا السرقسطي دائماً صورة يخفي فيها حقيقة شخصية شيخه الفصيح هذا الذي يظهر في بيئات متجددة باستمرار، إذ يظهر أحياناً في هيئة شائنة وأخرى في هيئة محترمة. ثم ينطلق في بيان مكره وبراعته في تنويع استراتيجيته لتلائم الحاجة التي تلوح له. ولنضرب مثلاً على احتياله لا بد من ذكر الفصل الذي يقدم فيه ابنته للبيع كأمة، وعندما يتم البيع ويقبض ثمنها يرفض الحاكم الاعتراف بصحة البيع لامرأة حرة. وفي مناسبة أخرى يغري أبو حبيب السائب الذي التقاه في الطريق بالتظاهر بحب ابنته حباً جنونياً ولكنه غير قادر على الزواج منها لافتقاره إلى المال.

فيقوم السائب بدوره خير قيام حتى إنه جمع مالاً ممن رأوا حاله ورأفوا به، ولكن ما أن حصل أبو حبيب على المال حتى اختفى بالمال مخلفاً السائب وراءه. ولا يضع السرقسطي حداً لتجوال بطله، بل يتيح له أن يتجول بحرية يتسول حيثما يذهب، ولا يكاد يدخل أرضاً حتى يرتحل عنها إلى بلد آخر يحتال دائماً على الأبرياء، ليس ممن يلتقيهم في طريقه، بل من القضاة والحكام، ثم ينكشف أمره على يد السائب بن تمام فيهرب ولكن ليس قبل أن يترك وراءه مقامة فيها حياته واحتيالاته.

وينقل السرقسطي بطله في رحلاته من الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً. وليس للمقامات نسق جغرافي في ترتيبها؛ فمثلاً في المقامة العشرين يكون أبو حبيب في مصر، وفي المقامة الحادية والعشرين ينتقل إلى البحرين، وفي المقامة الثانية والعشرين يكون في القيروان، وفي المقامة السادسة والأربعين يكون في طنجة ومن هناك ينتقل في المقامة السابعة والأربعين إلى الهند.

وفي المقامة الثامنة والأربعين (ورقة 203 ب – 208 ب) يكون البطل في الأندلس موطن السرقسطي. ويحكي لنا الراوي كيف جاء ذات مرة وهو يتجول في البلاد إلى بقعة جميلة جمالاً فاتناً، هي جزيرة الطريف (وتسمى اليوم التِرفة)، حيث وجد جماعة من الناس يتحلقون على شكل خاتم منقوش، حجر النقش فيه شيخ يحكي أساطير تاريخية وحكايات عن ملوك العرب وإنجازاتهم متلاعباً بمشاعر مستمعيه وهو يسرد عليهم الحكايات تلاعباً بارعاً بالإشارة إلى جزيرة الطريف مراراً وتكراراً وباختراع الحكايات التي يمكن أن تقرن الجزيرة بفتح الأندلس.

وكان أثره على سامعيه كبيراً جداً مما جعلهم كالفراش المتهافت على اللهب، ويتبارون في صب المال عليه كالمطر حتى امتلأت يداه، فأطال إقامته، وأقام في بحبوحة ليلة ونهاراً.

وفي المقامة السادسة والأربعين (ورقة 195 ب- 199 ب)، يزور الشيخ هذا طنجة في شمالي إفريقية. ولهذه المقامة أهمية خاصة لكونها أحد المصادر الأدبية التي توثق عداء الطبقة الأندلسية المثقفة للبربر ولنضالهم من أجل توكيد استقلالهم. فلقد أفسد وصف السرقسطي لأهل طنجة بولائه لشعبه. وهذه هي كلمات راويته: "وجدت نفسي بين أناس كالنعام أو البقر، بين شعب كالأفاعي أو الضباع لم أستطع فهم كلامهم ولا يتفق تفكيرهم مع أي تفكير. شعرت وكأني وقعت بين حيوانات مفترسة أو كراع بين حيوانات لا تُقاد ولا تستقر، ولا تُربط ولا تصبر. كنت أسمع عن الأندلس وعن ثقافتها ومهرجاناتها وغناها حتى إن صدري التهب شوقاً إليها وغدوت مستعداً للتضحية بأثمن ما أملك من أجلها". (ورقة 195 ب –196 آ).

ولهذه المقامة أهمية كذلك لما عرضه فيها السرقسطي من وصف لمظاهر حياة البربر الاجتماعية وعاداتهم وأغانيهم وطعامهم وشرابهم (ورقة 198 ب).

أما مسرح المقامة الثانية والعشرين فهو القيروان حيث وجد بطلنا يتجول مشيداً بأمجاد القيروان التاريخية ويندب سوء المعاملة التي عانتها على أيدي العرب والبدو.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير