وإخوانِ صدقٍ صادقين صحِبْتهم = على غارةٍ من مثلها الخيلُ تسرجُ
تطوفُ عليهم خندريسُ مدامةٍ = ترى حبباً من فوقِها حين تمزجُ
ألا إنها نعمَ الدواءُ لشاربٍ = ألا فاسقنيها قبل ما أنت تخرجُ
فنضحي سكارى والمدام مصفَّفٌ = يُدارُ علينا والطعامُ المطهْبَجُ
وله أيضاً:
كم ليلةٍ قد قطَعْنا فيكِ صالحةً = رغيدةً صفوُها ما شابه كدرُ
معْ فتيةٍ تتعاطى الكأس مترعةً = من خمرةٍ كلهيبِ النارِ تزْدَهرُ
تُديرُها من بنات العُرْبِ جاريةٌ = رشيقة القدِّ في أجفانها حَوَرُ
إن عِشْتُ فهي التي ما عشتُ مالكتي = وإن أَمُتْ فالليالي شأنُها العِبَرُ
ولزهير بن جناب الكلبي:
أَلا أَصبَحَت أَسماءُ في الخَمرِ تَعذِلُ=وَتَزعَمُ أَنّي بِالسَفاهِ مُوَكَّلُ
فَقُلتُ لَها كُفّي عِتابَكِ نَصطَبِح=وَإِلّا فَبيني فَالتَعَزُّبُ أَمثَلُ
ولعبيد ابن الأبرص الأسدي:
إذا ذُقتَ فاها قلتَ طعمَ مدامةٍ = مُشَعشَعةٍ تُرخي الإزار قديحُ
بماء سحابٍ في أباريق فضّةٍ = لها ثمنٌ في البائعين ربيحُ
وله أيضأً:
نُغلي السباءَ بكل عا = تقةٍ شمولٍ ما صحوْنا
ونُهينُ في لذّاتها= عظم التلادِ إذا انتشيْنا
والأعشى ذكر الخمر ومجالسها في مواضع كثيرة جداً, حتى أنه يُعتبر رائد الخمريات في الجاهلية. ولا يسع المجال لذكرها كلها ولكن سأورد ما تيسر منها:
وَكَأسٍ كمَاءِ النّيّ باكَرْتُ حَدّها،=بِغِرّتِهَا، إذا غَاب عَني بُغَاتُهَا
كُمَيْتٍ عَلَيها حُمْرَة ٌ فَوْقَ كُمتة ٍ=يكادُ يُفَرّي المَسْكَ مِنها حَمَاتُهَا
وردتُ عليها الرّيفَ حتى شربتها=بمَاءِ الفُرَاتِ حَوْلَنَا قَصَبَاتُهَا
لعمركَ إنّ الرّاحَ إنّ كنتَ سائلاً=لَمُخْتَلِفٌ غُدِيُّهَا وَعَشَاتُهَا
لَنا من ضُحاها خُبْثُ نَفْسٍ وَكأبَة ٌ=وذكرى همومٍ ما تغبّ أذاتها
وعندَ العشيّ طيبُ نفسٍ ولذة ٌ،=ومالٌ كثيرٌ غدوة ً نشواتها
على كلّ أحوالِ الفتى قدْ شربتها=غنيّاً وة صعلوكاً وما إنْ أقاتها
أتانا بها السّاقي فأسندَ زقهُ=إلى نُطْفَة ٍ، زَلّتْ بِهَا رَصَفَاتُهَا
وُقُوفاً، فَلَمّا حَانَ مِنّا إنَاخَة ٌ،=شربنا قعوداً خلفنا ركباتها
وفينا إلى قومٍ عليهمْ مهابة ٌ=إذا ما معدٌّ أحلبتْ حلباتها
وكأسٍ شَرِبْتُ على لِذّةٍ=وأخرى تداويْتُ منها بِها
لكي يعلمَ الناسُ أنّي امرؤٌ=أتيْتُ المعيشةَ من بابِها
كُمَيْتٍ يُرى دون قعرِ الإناءِ= كمِثْلِ قذى العيْنِ يُقذى بِها
أُحِبُّ أَثافِتَ وقت القطافِ=ووقتَ عُصارَةِ أعْنابِها
و أَدْكَنَ عَاتِقٍ حَجْلٍ سِبَحْلٍ = صَبَحْتُ بِرَاحِهِ شَرْباً كِراما
من اللّاتي حَمَلْنَ على الرَّوايا = كَرِيحِ المِسْكِ تَسْتَلُّ الزُكاما
مُشَعْشَعَةً كأنّ على قَراها = إذا ما صرّحَتْ قِطعاً سهاما
تَخَيّرَها أخو عانات شهراً = ورجّى أَوْلَها عاماً فَعاما
يؤمّلُ أن تكونَ له ثراءً = فأَغْلَقَ دونها وعَلا سِواما
فَأَعْطَيْنا الوفاءَ بها وكنّا = نُهينُ لِمِثْلِها فِينا السَواما
كأنّ شُعاعَ قرنِ الشمسِ فيها = إذا ما فَتَّ عن فيها الخِتاما
وإذا الدّنّ شربنا صفوهُ،=أمَرُوا عَمْراً، فَنَاجَوْهُ بِدَنّ
بمتاليفَ أهانوا مالهمْ،=لِغِنَاءٍ، وَلِلِعْبٍ، وَأذَنْ
فترى إبريقهمْ مسترعفاً،=بشمولٍ صفقتْ منْ ماءِ شنْ
غُدْوَة ً حَتّى يَمِيلُوا أُصُلاً،=مِثْلَ مَا مِيلَ بِأصْحابِ الوَسَنْ
ثُمّ رَاحُوا مَغْرِبَ الشّمْسِ إلى=قُطُفِ المشيِ، قليلاتِ الحزَنْ
وشمولٍ تحسبُ العينُ، إذا=صُفِّقتْ، وردتها نورَ الذُّبَحْ
مثلُ ذَكْيِ المسكِ ذاكٍ ريحها،=صبَّها السّاقي، إذا قيلَ توحّ
مِن زِقَاقِ التَّجْرِ في بَاطِية ٍ=جَوْنَة ٍ، حَارِيّة ٍ ذاتِ رَوَحْ
ذاتِ غَوْرٍ مَا تُبَالي، يَوْمَهَا،=غَرَفَ الإبْرِيقِ مِنْهَا وَالقَدَحْ
وَإذا مَا الرّاحُ فِيهاَ أزْبَدَتْ،=أَفَلَ الإزبادُ فيها، وامتصحْ
وَإذا مَكّوكُهَا صَادَمَهُ=جَانِبَاها كرّ فِيهَا، فَسَبَحْ
فَتَرَامَتْ بِزُجَاجٍ مُعْمَلِ،=يخلفُ النّازِحُ منها ما نزحْ
وِإذا غَاضَتْ رَفَعْنَا زِقّنَا،=طُلُقَ الأوْداجِ فيها فَانْسَفَحْ
ونسيحُ سيلانَ صوبهِ،=وَهْوَ تَسْيَاحٌ مِنَ الرّاحِ مِسَحْ
تحسبُ الزّقّ لديها مسنداً،=حبشياً نامَ عمداً، فانبطحْ
وَلَقَدْ أغْدُو عَلى نَدْمَانِهَا،=وَغَدَا عِنْدِي عَلَيْهَا وَاصْطَبَحْ
¥