تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما سبب تأثير المحاكاة فمصدره تلذذ النفوس وانفعالها بالمحاكاة أولاً من حيث هي محاكاة، من حيث ما يرافقها من توافق موسيقي، وهو تلذذ السمع بجمال العبارة الشعرية، وهذه النظرة الجمالية تعتمد على التناسب بين الألفاظ ومادتها، وهنا تنفرد الأقاويل الشعرية عن غيرها.

ودرجة تأثير المحاكاة عند حازم تعادل الإبداع، وهي نسبية، فتأثيرها يخضع لعوامل منها مثلاً استعداد النفوس وحالاتها.

وفي سياق حديثه عن المحاكاة يطرح حازم سؤالاً عميقًا له صلة قوية بنظريات الجمال: لماذا تكون اللذة بالمحاكاة نفسها أكثر من اللذة بالشيء المحكي نفسه؟ و يمثل برؤية منظر الشمعة، أو المصباح ربما كانا جميلينً، ولكن انعكاس الضوء على صفحة مائية أجمل بكثير من الشيئين (الضوء- الماء) في الواقع، ويقدم حازم الإجابة على هذا السؤال من خلال زاويتين:

ا- لحدوث اقترانات (أي مزج) بين الضوء وصفحة الماء.

2 - المنظر الثاني أقل تكرارًا وألفة، والنفس إلى ذلك أميل.

أما القضية الثانية فهي حديثه عن الشعر من حيث هو عملية إبداع، وكيف تتشكل في نفس المبدع، فهو يرى أن الشعر وليد حركات النفس والانفعالات، ثم يقوم الشاعر بوصف نتائج هذه الانفعالات، و من هنا تتولد المعاني الشعرية، ولا بد لهذه العملية الإبداعية لكي تكتمل من ستة عوامل، ثلاثة منها خارجية تتمثل في البيئة، والأدوات، والبواعث وهنا يشترك مع ما قال به الجاحظ وابن قتيبة وكثير من النقاد قبله.

أما العوامل الداخلية فهي خاصة بالمبدع وهي: القوة الحافظة التي تعينه على التصور المناسب وترتيب الخيالات، ثم القوة المائزة التي تميز المواضع الملائمة في النظم والأسلوب والغرض، ثم القوة الصانعة التي تمكنه من الربط بين الألفاظ والمعاني والتراكيب بطريقة متدرجة.

وخلاصة قوله في مفهوم الشعر أن المقياس هو مقدار ما فيه من محاكاة أو تخييل، ومقدار تأثيره وقدرته على إحداث الانفعال في نفس المتلقي، فكأن الشعر يتكون من: الواقع+ المبدع+ العمل المتخيل+ التخييل =المحاكاة.

وزيادة في التوضيح راح حازم يفرق بين الشعر والخطابة، ولكنه حاول الابتعاد عن إدخال عنصري الصدق والكذب في تحديد مفهوم الشعر وتقييم الشاعر، وهو وإن كان ينحاز إلى الصدق فهو لا يراه مقياسًا؛ وبهذا يكون قد أخرج قضية الصدق والكذب عن طبيعة الشعر، وهي القضية التي اختلف حولها النقاد طويلاً، فهو حين ركز على التخييل والمحاكاة يكون قد حسم الإشكال (كما أشار إلى ذلك إحسان عباس في كتابه: تاريخ النقد الأدبي عند العرب:549،والدكتور محمد العمري في كتابه: البلاغة العربية أصولها وإمداداتها:507).

ثانيًا: قضية الغموض والوضوح:

يقرر حازم بأن بعض أنواع الغموض يجب أن تتوافر في الشعر، مثل اللغز والكناية والإشارة إلى الأحداث الماضية، وهذا يتطلب ثقافة خاصة؛ أي قارئ خاص، ويصنف أسباب الغموض، فمنها ما يرجع إلى المعاني أنفسها، ومنها ما يرجع إلى الألفاظ والعبارات المدلول بها، ومنها ما يرجع إلى المعاني والألفاظ، ولكنه بشكل عام يقف بجانب الوضوح، ونراه أيضًا يقبح إيراد المعاني العلمية في الشعر، ولكنه وقع في تناقض حين أورد في شعره كثيرًا من مصطلحات علم الفلك والمنطق والفلسفة والفقه والحديث وهى بعيدة عن مجال الشعر، ويحاول سعد مصلوح (في كتابه حازم القرطاجني ونظرية المحاكاة والتخييل في الشعر:40) أن يجد حلاً لهذا التناقض بين النظرية والتطبيق فيجده في قول حازم (وإنما يورد المعاني العلمية في كلامه من يريد التمويه بأنه شاعر عالم) ويقول سعد مصلوح (فهذه الظاهرة ... غرض من أغراض إحساسه إلى تأكيد ذاته وفرض شخصيته على المجتمع الذي يعيش فيه غريبًا مهاجرًَا دعمًا لمكانته وإشارة إلى سعة إطلاعه ورسوخه في العلم:40)

ثالثًا: السرقات الأدبية:

ولم يتوقف عندها طويلاً بل مرَّ عليها مرورًا سريعًا في سياق حديثه عن المعاني، فالمعاني عنده ثلاثة أقسام: قديمة متداولة، وهذه ليس فيها سرقة، وقليلة الوجود في نفسها أو بالنسبة لكثرة غيرها، وهذه لا يسمح التعرض لها إلا بالزيادة عليها أو التركيب فيها أو نقلها إلى موضع آخر، وجديدة مخترعة وهي محط الإبداع الشعري.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير