وهذه المعاني المخترعة لا يمكن سرقتها؛ لصعوبة إخفاء أثرها، ثم يشرع في تصنيف أنواع الأخذ والاستفادة إلى أربعة أصناف: اختراع وهو الغاية القصوى، واستحقاق، فشركة، فسرقة وهذه الأخيرة معيبة لكنها نسبية.
رابعًا: التجربة الشعرية:
وقد أشار إليها في سياق حديثه عن بواعث الإبداع الشعري وصدق الإحساس بالتجربة يقول: (اعلم أن خير الشعر ما صدر عن فكر ولع بالفن، والغرض الذي القول فيه مرتاح للجهة والمنحى الذي وجه إليه كلامه لإقباله بكليته على ما يقوله ... ولهذا كان أفضل النسيب ما صدر عن سجية نفس شجية وقريحة قريحة،.وكذلك الإخوانيات والمراثي وما جرى هذا المجرى)، وهو وإن كان يرى أن هذه التجربة مستمدة من الواقع إلا أنه أيضًا لا ينفي دور الخيال في تشكيل هذه التجربة حيث يقول: (وكل من قويت فيه هذه القوة (يعني قوة الخيال) فلا يبعد عليه أن يلتفت إلى بعض مناحي شكاة الهوى في أشعارهم الجارين على سجاياهم، مما لطف أسلوبه وظَرُف منزعه)، وقد أسهب في الحديث عن أنواع قوى الخيال وقسمها إلى عشر قوى.
خامسًا: وحدة العمل الأدبي:
نلمح عند حازم حديثًا عن وحدة القصيدة، ولكنه حديث متفرق وعر المسالك؛ لصعوبة دلالات كلامه، فهو مثلا يشبه تناسب القصيدة في ألفاظها ومعانيها وصورها وأوزانها بتناسق الألوان في الصورة حيث يقول: (اعلم أن منزلة حسن اللفظ المحاكى به، وإحكام تأليفه من القول المحاكى به، ومن المحاكاة. بمنزلة عتاقة الأصباغ، وحسن تأليف بعضها إلى بعض وتناسب أوضاعها من الصور التي يمثلها الصانع،وكما أن الصورة إذا كانت أصباغها ردئية، وأوضاعها متنافرة، وجدنا العين نابية عنها غير مستلذة لمراعاتها، وإن كان تخطيطها صحيحًا فكذلك الألفاظ الرديئة والتأليف المتنافر ... ) وهو يتجاوز الحديث عن الألفاظ إلى مستويات ثلاثة؛ لفظي يأتي من تآلف الكلمات، و معنوي يأتي من تآلف دلالة المعاني، وثالث يتجاوب فيه المستويان السابقان فيشكلان أسلوب القصيدة في وحدتها المركبة، والقصيدة عند حازم نوعان: نوع بسيط وهي تلك التي تقوم على غرض واحد، ونوع مركب تشتمل غرضين أو أكثر.
و ما يلي وقفات تلخيصية مع حازم و منهاجه أحسبها مفيدة للقاريء:
ا- سيطر جانب التنظير على نقد حازم القرطاجني سيطرة جعلته يقلل من التمثيل بشكل ملحوظ، وقد تنبه إلى ذلك تلميذه ابن القوبع.
2 - شمولية النقد عند حازم القرطاجني فلم يركز على زاوية واحدة من مثلث الإبداع كما فعل غيره من النقاد، بل كانت عنايته متساوية، فالشاعر لابد له من قوة نفسية لقول الشعر، والنص لا بد أن تنتظم ألفاظه داخل السياق، و أضاف إلى ذلك سياق المعنى وبهذا تخطى عبد القاهر الجرجاني.
ثم حديثه عن المتلقي وعن القارئ الخاص، والتمويه (الشفرة) والمعاني الأوائل (المباشرة) والمعاني الثانوي (العميقة)، وتأثير النص وأثره، و قد نلمح في هذا إشارات وبذور لنظرية التلقي كما هي في النقد الحديث.
3 - رد الشعر إلى عوامل نفسية فقط،وهذا يحتاج إلى استقراء شامل.
4 - تحدث عن التجربة الشعرية، وبهذا كأنما ربط الشعر بالواقع وهو هنا يختلف اختلافًا شديدًا عن عبد القاهر الجرجاني الذي جعل الشعر مربوطًا بالعقل.
5 - استطاع أن يحل إشكالية الصدق والكذب التي حام حولها النقاد طويلاً.
6 - نقده يمثل المزج الواعي بين الثقافتين العربية واليونانية، بعد أن ظلا منفصلين مدة طويلة.
7 - يتقارب مع عبد القاهر الجرجاني في التقليل من شأن السرقات في المعاني؛ لأن النظم عند الجرجاني يبيح التفاوت المستمر، وكذلك نظرة حازم للمعاني الجمهورية يعني أن مصدرها واحد يرددها جميع الشعراء، وكأن في ما ذهب إليه هذان الناقدان إعادة لمقولة الجاحظ حول المعاني المطروحة في الطريق.
ـ[ابن الشمس]ــــــــ[16 - 02 - 2005, 08:06 م]ـ
أبا محمد ..
أشكر لك لطفك و حرصك و حسن ظنك ..
دمت سحابة تغدق بخيرها على الفصيح و أهله ..
ـ[أمين اعزاير]ــــــــ[25 - 04 - 2006, 01:28 م]ـ
شكرا مع متمنياتي الخالصة بالتوفيق ابو محمحد المغرب