خامساً لو قابلت كثيراً من مفرداتها بمثلها في لغات أخرى لظهر لك أنها أنسب للمعنى وأبين للفكر وأطوع لإظهار أعمق التأثرات. فلفظة "لا" النافية أنسب من كل أدوات النفي في أي لغة كانت إذ يسهل معها مد الصوت، والصفات فيها التي تجيء على وزن فاعل مثل واسع وغافر وطاهر وكامل، أو على وزن فعيل أو فعول مثل كبير، عظيم، عليم، سميع أو صبور، غفور، شكور، أطوع للتعبير عن أعمق التأثرات لما فيها من الحركات الطويلة، الخ. وكلمة "حق" بحائها وقافها المشدّدة العميقة لا تعادلها كلمة أخرى من أي لغة في الدلالة على معناها، ولا بد أن الناطق بهذه اللفظة يشعر بالحق أكثر من غيره، وليس ذلك فقط بل لها تأثير في السامع بحيث تصل إلى أعماق قلبه وتحدث في نفسه هزة. وكلمة "حب" لا تعادلها كلمة أخرى في جمالها وقوتها، بل هذه اللفظة تكاد تشم منها رائحة الحب لأنها تخرج من أعماق القلب مصحوبة بنفس الحب، وحق العرب أن يفاخروا بهذه الكلمة لأنها تدل على أن الحب عندهم من القلب وليس من الشفاه. وليس أجمل من ضم هذه الحاء وإطباق الشفتين على بائها المشدّدة مما يستشف منه الحزم والثبات. وكلمة "مرحباً" هذه اللفظة الجميلة بميمها ورائها وحائها وبائها وتنوينها وحركات الفتح فيها كأنها قطعة موسيقية يتبادلها الناس. سادساً إذا نظرنا في اللغة العربية من جهة الحركات لرأينا لها مزية على غيرها. حركاتها ثلاث: الضم والفتح والخفض، ومعلوم أن الضم أفخم الحركات والفتح أخفها والخفض أثقلها، فاللغة التي يكثر فيها صوت الكسر ثقيلة مستكرهة،
وإذا استقريت ألفاظ اللغة العربية ومواطن الضم والفتح والخفض الأعرابية فيها لرأيت الخفض أقلها والفتح أكثرها وهذا مما يكسبها جمالاً ورشاقة ويصدق معه القول إنها لغة شعرية"
اللغة ووظيفتها في حياة الفرد والجماعة
تمثل اللغة – مسموعة أو مكتوبة – أداة يستطيع الإنسان بواسطتها أن يتفاهم مع غيره من أفراد المجتمع في المواقف الحياتية المختلفة، فبواسطتها يستطيع نقل أفكاره وأحاسيسه وحاجاته إلى غيره ممن يتعامل معهم. وعن طريقها يستطيع أن يعرف أفكار وأحاسيس وحاجات غيره من الناس. فهي وسيلة هامة في مجال الفهم والإفهام اللذين يمثلان العلاقة الجدلية بين الفرد والمجتمع.
واللغة نافذة مشرعة على تجارب وخبرات الأمة الواحدة، وعلى تجارب وخبرات الأمم الأخرى. فهي التي تحفظ للأمة تراثها الأدبي والديني والعلمي، وفي الوقت ذاته تطلع أبناءها على تراث الأمم الأخرى.
واللغة أداة هامة من أدوات التعلّم والتعليم، وعليها يعول في تعليم التلاميذ المواد التعليمية المختلفة في جميع مراحل دراسته.
وهي أداة من أدوات التفكير، إذ أن الإنسان يفكر باللغة، ويتمثل ذلك في نتاج ذلك التفكير والذي يكون على صورة تراكيب ملفوظة، أو مكتوبة، وبدونها يعسر على المرء أن يعبّر عن الأفكار أو عما يشاهده أو يحس به، ويعسر عليه حتى التعبير عن الحاجات العادية.
واللغة وسيلة يستطيع المرء بواسطتها أن يعبّر عن عواطفه من فرح وحزن وإعجاب وغضب وغير ذلك، كما يستطيع أن يجد في الآثار الأدبية التي تعالج العواطف الإنسانية ما ينفس به عن مشاعره إن لم يكن قادراً على تصويرها أو نقلها بطريقة مؤثرة.
إن أظهر الوظائف التي تؤديها اللغة في حياة الفرد والجماعة هي:
الوظيفة الاجتماعية. الوظيفة الثقافية. الوظيفة الفكرية. الوظيفة النفسية (الجمالية).
الوظيفة الاجتماعية:
وتتمثل في الفهم والإفهام – التفاهم – وأبرز مظاهره:
التعبير عن الآراء المختلفة: السياسية، الدينية، الاجتماعية ... الخ.
التعبير عن الأحاسيس والمشاعر تجاه الآخرين.
المجاملات الاجتماعية في المواقف المختلفة.
التعبير عن الحاجات التي يحتاجها الإنسان في حياته الاجتماعية.
التأثير في عواطف وعقول الجماهير في المواقف والأغراض المختلفة.
الوظيفة الثقافية:
وتتمثل في:
حفظ التراث الأدبي والديني والعلمي للأمة، ونقله من جيل إلى آخر لتتصل حلقاته وتتم معايشة أبناء الأمة له، والإفادة منه.
نقل أفكار وتجارب الأمم الأخرى، والاطلاع على آثارهم المختلفة وأنماط تفكيرهم وعقليتهم قصد الاستفادة منها.
¥