أطرق بعينيه إلى الأرض والأسى يعصر قلبه وقال بصوت مخنوق: لا!!
دنت منه بعطف وشفقه ثم مدت إليه يدها وأمسكت بيده والابتسامة على وجهها وقد امتلأ قلبها بالحماسة والأمل، رغم أن هذا يعني اقتراب ساعة الفراق المرتقبة بالنسبة إليها .. تلك اللحظة المريرة التي تتمنى أن لا تأتي أبداً.
ثم انطلقت به بين المنازل المتفرقة القديمة، ومنها اتجهت به نحو الحقول البعيدة آخر الجزيرة.
ـ[الحب خطر]ــــــــ[13 - 01 - 2005, 11:22 ص]ـ
الجزء التاسع
مضت نصف ساعة تقريباً وهما يمشيان بين حقول الذرة الكثيفة قبل أن يصلا إلى بيتٍ ريفي كبير وفي مقدَّمته حديقةٌ جميلةٌ تناثرت على جُنُباتها ألوانٌ شتى من الأزهار والورود النَّظِرَة ِفي منظر خلاّب.
هناك يوجد إسطبل للخيول بالفعل ..
وعن يمينه حظيرةٌ للدواجن ..
وهناك في الخلف لاحت له حقولٌ متداخلةٌ من نبات القرنبيطِ وبعض شجيراتِ الطماطم ِ وأحواض البطاطا ..
كان يتجول ببصره في أنحاء المزرعة كمن يريد التعرف على مسكنه الجديد.
وفجأة سمع صوت غيوم وهي تناديه: (كريم) .. سلم على السيد (كبانجا).
- كريم: هاه!! عفواً ... أ أ .. مرحباً سيدي!! (قالها له باللغة الإنجليزية) وهو يرى أمامه رجلاً قصير القامة، حاد الملامح، أسمر السحنة، ويبدو عليه الثراء .. وقد مد يده مصافحاً إياه.
صافحه كريم بأدب ظاهر ولباقة ثم انتظر غيوم حتى تفرغ من التحدث معه بلغة أهل الجزيرة.
لم يفهم حرفاً واحداً مما يدور بينهما من حوار، إلا أنه تأكد أنهما كانا يتحدثان عنه هو بالتحديد، وعن رغبته في العمل بشكل مؤقت .. ويبدو أن غيوم قد سمحت لنفسها أن تفاوض الرجل نيابة عنه. إنها لم تسأله ولو مرة واحدة هل يرضيه السعر أم لا .. لكنها على ما يبدو كانت مفاوضاً شرساً مع هذا القصير الذي كان يعرض الأجر وكأنه يقتلع النقود من لحمه لا من جيبه.
ودعهما القصير ثم ركب عربة يجرها حصانان كانت بانتظاره، واتجه ناحية مرفأ الجزيرة.
إلتفتت غيوم باتجاه كريم وقالت له: مبروك فلقد عينك السيد كبانجا وزيراً للزراعة عنده .. ثم أطلقت ضحكة عالية في الهواء كانت محبوسة طوال الوقت في صدرها.
- كريم: غيوم .. ُكفي عن المزاح أرجوكِ، وأخبريني على أي شيء اتفقتما؟؟
- غيوم (وهي لا تزال تضحك): يريد السيد كبانجا رجلاً قوياً ووسيماً وناعماً ليدير له أعمال مزرعته خلال هذين اليومين اللذين سيغيب فيهما عن الجزيرة لجلب بضاعة من الجزيرة المجاورة، ومطلوب من هذا الوسيم أن يعتني بصغاره أيضاً إذا خرجوا للمزرعة .. ثم انفجرت ضاحكة من جديد.
- كريم: وهذا الرجل الناعم هو أنا على ما أظن!! أليس كذلك؟؟
- غيوم: المفروض.
- كريم (في استهزاء مقصود): ألا يريد هذا العملاق أحداً يعتني بزوجته أيضاً؟؟؟؟
نظرت إليه غيوم نظرات حادة ومؤلمة وقالت له: على العموم السيد كبانجا رجل أرمل .. توفيت زوجته قبل ثلاث سنين، ولديه طفلان توأمان في السابعة من العمر وأم عجوز في الثمانينات.
- كريم: حسناً حسناً، كم ستكون أجرتي اليومية؟ وما هو المطلوب؟؟
- غيوم: مع طلوع الشمس يبدأ العمل، تطعم الدجاجات، وتجمع البيض في سلة تجدها هناك ثم تحملهن إلى أم السيد كبانجا .. ثم تعود لإطعام البقرات، ثم ...
قاطعها كريم قائلاً: .. ثم أحلب البقرات أليس كذلك؟؟
- غيوم: لا لا .. البقرات تحلبهن الخادمة.
- كريم (وهو يتبسم في دهشة): وعندهم خادمة!!!
- غيوم (وقد فهمت مراده): أقسم أنني سأقطعك بأسناني هذه، ثم فتحت فمها بقوة وأظهرت أسنانها الحادة ... وأردفت تقول (بنبرة أنثى مجروحة): .. ثم ... ثم تتجه إلى إسطبل الخيول لتنظيف الإسطبل، وإطعام الخيول ومسح ظهورها بفرشاة تجدها هناك .. عموماً هناك غلام يأتي فقط لهذه المهمة سوف يرشدك لما هو مطلوب منك في الاسطبل.
ثم يُسمح لك بساعة واحدة فقط للراحة والغداء .. تتجه بعدها للحقول لجمع البطاطا وقطف الطماطم وبعض الثمار حتى غروب الشمس.
- كريم: مقابل كم كل هذا العناء؟؟؟
¥