و حينما نتكلّم عن مفهوم الأسلوب باعتبار المتلقّي , فإنه من المستحسن أن نشير إلى جهود ريفاتير , الذي راعى " جانب التلقي في الاتصال الأدبي " (18) , فحدد الأسلوب معتمداً على أثر الكلام في المخاطَب (19) , و أدخل القارئ في النظرية الأسلوبية (20) , وجعل المتلقي " امتدادًا مشاركًا في التحليل الأسلوبي " (21).
و يذهب بعضهم – مثل ريفاتير – إلى أن تحليل الأسلوب متركز في الصلات بين النص و ردّ فعل القارئ , فالقارئ قد يعدّ " عنصرًا من النظرية الأسلوبية , أو وسيلة مساعدة في التحليل الأسلوبي , أو هما معًا " (22).
لقد تميّزت نظرات ريفاتير الأسلوبية بإعطاء المتلقّي بعدًا ذا أهميةٍ كبيرة , في النظرية الأسلوبية عمومًا , و في التحليل الأسلوبي على وجه الخصوص (23).
ج – تعريف الأسلوب باعتبار الخطاب:
يستمد هذا المفهوم أساسياته " من مقومات الظاهرة اللغوية في خصائصها البارزة " (24) , و يعتمد على فكرة الثنائية اللغوية التي تقسم النظام اللغوي إلى مستويين (25) , هما: المستوى الإخباري (العادي) , و المستوى البلاغي (الإبداعي) - و سيأتي بيانهما -.
و يمكن أن يعرّف الأسلوب هنا بأنه " العلاقة المميزة لنوعية مظهر الكلام داخل حدود الخطاب , و تلك السمة إنما هي شبكة تقاطع الدوال بالمدلولات و مجموع علائق بعضها ببعض و من ذلك كله تتكون البنية النوعية للنص و هي ذاتها أسلوبه " (26) , و يقترب من هذا التصوّر ما يراه هيل من أن الأسلوب هو " الرسالة التي تحملها العلاقات الموجودة بين العناصر اللغوية لا في مستوى الجملة و إنما في مستوى إطار أوسع منها كالنص أو الكلام " (27)؛ و لذلك فإن الأسلوب – كما عند ستاروبنسكي " هو مسبار القانون المنظِّم للعالم الداخلي في النص الأدبي " (28) , ثم إنه أتى بعد ذلك من وسّع دلالة الأسلوب و هو هيالمسالف , حيث جعله شاملاً الهيكل الكلي للنص (29).
و قد يُعرَّف الأسلوب هنا انطلاقًا مما يتوارى خلف الكلمات و الجمل من وظائف و إيحاءات , فجاكبسون يرى أن النص الأدبي خطابٌ " تغلّبت فيه الوظيفة الشعرية (30) للكلام " (31) , كما يرى بعض النقاد أن الأسلوب هو " مجموع الطاقات الإيحائية في الخطاب الأدبي " (32) (33).
كما عُرّف الأسلوب هنا بأنه: " استعمالٌ خاصٌّ للغة يقوم على استخدام عدد من الإمكانات و الاحتمالات المتاحة , و التأكيد عليها في مقابل إمكانات و احتمالات أخرى " (34) , و يشير هذا التعريف إلى ما يتميز به الأسلوب الفني من العدول و الاختيار – و سيأتي بيانهما -.
كما عُرّف الأسلوب هنا كذلك بأنه " النسيج النصي الذي يبوِّئ الخطاب منزلته الأدبية " (35) , و هذا التعريف يشير إلى أن الأسلوب هو ما يتميز به النص من ظواهر فنية متمازجة ترتقي به إلى الدرجة الأدبية.
و تجتمع التعريفات السابقة المنطلقة من عنصر الخطاب في أنها تركز على الظواهر اللغوية المميزة في النص , مع الاهتمام بالعلاقات الجزئية و الكلية بينها , و ما يتصل بما سبق من الإيحاءات المختلفة و الدلالات المتعددة , و كل ما يكسب النص خصوصيته من الناحية الأسلوبية.
و يمكن أن أخلُص مما سبق إلى تحديد الأسلوب باعتبار منطلَق الخطاب في أنه: مجموع الظواهر اللغوية المختارة الموظّفة المشكِّلة عدولاً ,و ما يتصل بذلك كله من إيحاءات و دلالات , ممتزجًا كل ذلك بشبكة العلاقات داخل النص و خارجه.
و لكي نتحصّل على تعريفٍ أشمل و أدق للأسلوب فإنه يتوجّب علينا أن نؤلّف بين التعريفات بمنطلقاتها الثلاثة (المبدع و النص و المتلقي) , و أن نجمع بين المعطيات المختلفة (36).
و إذا ما أردنا تعريفًا دقيقًا للأسلوب شاملاً لعناصر عملية الاتصال الثلاثة فإن الأسلوب يعني " جملة الصيغ اللغوية التي تعمل عملها في إثراء القول وتكثيف الخطاب , و ما يستتبع ذلك من بسط لذات المتكلم , و كشف عن سرائره , و بيان لتأثيره على السامع " (37).
¥