وهذا النمط الأخير من أنماط الشعر الحر التي توصل إليها موريه هو فقط الذي ينطبق عليه مسمى الشعر الحر بمفهومه بعد الخمسينيات، والذي نشأت أولياته على يد باكثير ـ كما ذكر موريه ـ ومن ثم أصبحت ريادته الفعلية لنازك الملائكة ومن جاء بعدها، ولتأكيد هذا الرأي نوجز مفهوم الشعر الحر في أوائل الخمسينيات وجوهره ونشأته ودوافعه وأقوال بعض النقاد والباحثين حوله.
مفهوم الشعر الحر:
تقول نازك الملائكة حول تعريف الشعر الحر (هو شعر ذو شطر واحد ليس له طول ثابت وإنما يصح أن يتغير عدد التفعيلات من شطر إلى شطر ويكون هذا التغيير وفق قانون عروضي يتحكم فيه).
ثم تتابع نازك قائلة " فأساس الوزن في الشعر الحر أنه يقوم على وحدة التفعيلة والمعنى البسيط الواضح لهذا الحكم أن الحرية في تنويع عدد التفعيلات أو أطوال الأشطر تشترط بدءا أن تكون التفعيلات في الأسطر متشابهة تمام التشابه، فينظم الشاعر من البحر ذي التفعيلة
الواحدة المكررة أشطراً تجري على هذا النسق:
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن
... ويمضي على هذا النسق حرا في اختيار عدد التفعيلات في الشطر الواحد غير خارج على القانون العروضي لبحر الرمل جاريا على السنن الشعرية التي أطاعها الشاعر العربي منذ الجاهلية حتى يومنا هذا.
ومن خلال التعريف السابق تؤكد نازك ما توصل إليه موريه في النمط الخامس من أنماط الشعر الحر الذي أشرنا إليه سابقا والذي يعتمد على البحر الواحد في القصيدة مع اختلاف أطوال البيت وعدد التفعيلات، مع تعديل يسير في تعريف موريه وهو أن تضع كلمة شطر بدلا من كلمة بيت ليستقيم التوافق مع مفهوم الشعر الحر بعد الأربعينيات لأن كلمة بيت تعني التزام نظام الشرطين المتساويين في عدد التفعيلات والروي الواحد، وهو النظام المتبع في القصيدة التقليدية بشكلها الخليلي، والشعر الحر الذي يعنيه موريه ليس كذلك.
وقد أشار الدكتور محمد مصطفى هدارة إلى نظام التفعيلة في الشعر الحر وعدم التزامه بموسيقى البحور الخليلية فقال: " إن الشكل الجديد (أي الشعر الحر) يقوم على وحدة التفعيلة دون التزام الموسيقى للبحور المعروفة، كما أن شعراء القصيدة الحرة يرون أن موسيقى الشعر ينبغي أن تكون انعكاسا للحالات الانفعالية عند الشاعر.
ومما سبق تتضح لنا طبيعة الشعر الحر، فهو شعر يجري وفق القواعد العروضية للقصيدة العربية، ويلتزم بها، ولا يخرج عنها إلا من حيث الشكل، والتحرر من القافية الواحدة في أغلب الأحيان. فالوزن العروضي موجود والتفعيلة ثابتة مع اختلاف في الشكل الخارجي ليس غير، فإذا أراد الشاعر أن ينسج قصيدة ما على بحر معين وليكن " الرمل " مثلا استوجب عليه أن يلتزم في قصيدته بهذا البحر وتفعيلاته من مطلعها إلى منتهاها وليس له من الحرية سوى عدم التقيد بنظام البيت التقليدي والقافية الموحدة. وإن كان الأمر لا يمنع من ظهور القافية واختفائها من حين لآخر حسب ما تقتضيه النغمة الموسيقية وانتهاء الدفقة الشعورية.
وإنما الشطر هو الأساس الذي تبنى عليه القصيدة ـ وقد رأى بعض النقاد أن نستغني عن تسمية الشطر الشعري بالسطر الشعري ـ وله حرية اختيار عدد التفعيلات في الشطر الواحد وذلك حسب الدفق الشعوري عنده أيضا، فقد يتكون الشطر من تفعيلة واحدة، وقد يصل في أقصاه إلى ست تفعيلات كبيرة " كمفاعلين ومستفعلن "، وقد يصل إلى ثمان صغيرة إذا كان البحر الذي استخدمه الشاعر يتكون من ثماني تفعيلات صغيرة كفعولن وفاعلن، غير أن كثير من النقاد لم يحدد عدد التفعيلات في الشطر الواحد، وإنما تركت الحرية للشاعر نفسه في تحديدها كما أسلفنا " وفقا لتنوع الدفقات والتموجات الموسيقية التي تموج بها نفسه في حالتها الشعورية المعينة ".
أما من حيث القافية فيحدثنا الدكتور عز الدين إسماعيل قائلا: " فالقافية في الشعر الجديد ـ بباسطة ـ نهاية موسيقية للسطر الشعري هي أنسب نهاية لهذا السطر من الناحية الإيقاعية ومن هنا كانت صعوبة القافية في الشعر الجديد وكانت قيمتها الفنية كذلك ... فهي في الشعر الجديد لا يبحث عنها في قائمة الكلمات التي تنتهي نهاية واحدة، وإنما هي كلمة
¥