تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

" ما " من بين كل كلمات اللغة، يستدعيها السياقان المعنوي والموسيقي للسطر الشعري، لأنها هي الكلمة الوحيدة التي تضع لذلك السطر نهاية ترتاح النفس للوقوف عندها.

ومع أن الشاعر الذي يكتب قصيدة الشعر الحر، يمكنه استخدام البحور الخليلية المفردة التفعيلات والمزدوجة منها على حد سواء إلا أن البحور الصافية التفعيلات هي أفضل البحور

التي يمكن استخدامها وأيسرها في كتابة الشعر الحر، لاعتمادها على تفعيلة مفردة غير ممزوجة بأخرى حتى لا يقع الشاعر في مزالق الأخطاء العروضية، أو يجمع بين أكثر من بحر في القصيدة الواحدة.

والبحور الصافية التفعيلات هي: التي يتألف شطرها من تكرار تفعيلة واحدة ست مرات كالرمل والكامل والهزج والرجز والمتقارب والمتدارك. كما يدخل ضمن تلك البحور مجزوء الوافر " مفاعلتن مفاعلتن ". وهذا ما جعل نازك الملائكة تقرر بان الشعر الحر جاء على قواعد العروض العربي، ملتزما بها كل الالتزام، وكل ما فيه من غرابة أنه يجمع الوافي والمجزوء والمشطرور والمنهوك جميعا. ومصداقا لما نقول أن نتناول أي قصيدة من الشعر الحر، ونعزل ما فيها من مجزوء ومشطور ومنهوك، فلسوف ننتهي إلى أن نحصل على ثلاث قصائد جارية على الأسلوب العربي دون أية غرابة فيها.

جوهر الشعر الحر:

أما جوهره فهو التعبير عن معاناة الشاعر الحقيقية للواقع التي تعيشه الإنسانية المعذبة.

فالقصيدة الشعرية إنما هي تجربة إنسانية مستقلة في حج ذاتها، ولم يكن الشعر مجرد مجموعة من العواطف، والمشاعر، والأخيلة، والتراكيب اللغوية فحسب، وغنما هو إلى جانب ذلك طاقة تعبيرية تشارك في خلقها كل القدرات والإمكانيات الإنسانية مجتمعة ـ كما أن موضوعاته هي موضوعات الحياة عامة، تلك الموضوعات التي تعبر عن لقطات عادية تتطور بالحتمية الطبيعية لتصبح كائنا عضويا يقوم بوظيفة حيوية في المجتمع. ومن أهم تلك الموضوعات ما يكشف عما في الواقع من الزيف والضلال، ومواطن التخلف والجوع والمرض، ودفع الناس على فعل التغيير إلى الأفضل.

نشأة الشعر الحر:

تقول نازك الملائكة " كانت بداية حركة الشعر الحر سنة 1947 م في العراق، ومن العراق، بل من بغداد نفسها، وزحفت هذه الحركة وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله، وكادت بسبب الذين استجابوا لها، تجرف أساليب شعرنا الأخرى جميعا، وكانت أولى قصيدة حرة الوزن تنشر قصيدتي المعنونة " الكوليرا "، تم قصيدة " هل كان حبا " لبدر شاكر السياب من ديوانه أزهار ذابلة ن وكلا القصيدتين نشرتا في عام 1947 م.

عير أن نازك وغي مقدمة كتابها " قضايا الشعر المعاصر " الذي نقلنا منه النص السابق، تعترف بأن بدايات الشعر الحر كانت قبل عام 1947 م فتقول: " في عام 1962 م صدر كتابي هذا وفيه حكمت بأن الشعر الحر قد طلع من العراق، ومنه زحف إلى أقطار الوطن العربي، ولم أكن يوم قررت هذا الحكم أدري أن هناك شعرا حرا قد نظم في العالم العربي قبل سنة 1947 م، سنة نظمي لقصيدة " الكوليرا "، ثم فوجئت بعد ذلك بأن هناك قصائد حرة معدودة قد ظهرت في المجلات الأدبية والكتب منذ سنة 1932 م، وهو أمر عرفته من كتابات الباحثين والمعلقين، لنني لم أقرأ بعد تلك القصائد من مصادرها، وإذا بأسماء غير قليلة ترد في هذا المجال منها اسم على أحمد باكثير، ومحمد فريد أبي حديد، ومحمود حسن إسماعيل، وعرار شاعر الأردن، ولويس عوض وسواهم.

وعبثا تحاول نازك بعد أن ايثقنت أن أوليات الشعر الحر لم تكن لها، وذلك باعترافها الذي دوناه سابقا ـ أن تجعل موطن الشعر الحر هو العراق ـ وإن كان ذلك لا يؤثر لا من قريب ولا من بعيد على نشأة أي عمل أدبي أن يكون من العراق، أو من مصر، أو من الحجاز، أو غيرها من أقطار الوطن العربي، وإنما الغرض هو تصحيح مسار النشأة وتاريخها ليس غير ـ فتقول نازك " ثم أن الباحث الدكتور أحمد مطلوب قد أورد في كتابه النقد الأدبي الحديث في العراق قصيدة من الشعر الحر عنوانها " بعد موتي " نشرتها جريدة العراق ببغداد سنة 1921 م تحت عنوان النظم المطلق، وفي تلك السن المبكرة من تاريخ الشعر الحر لك يجرؤ الشاعر على إعلان اسمه، وغنما وقع (ب ن) " ثم تذكر نازك جزءا من القصيدة، وتعقب قائلة: " والظاهر أن هذا أقدم نص من الشعر الحر "، وقد أحسنت نازك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير