عندما قالت (والظاهر أن هذا أقدم نص من الشعر الحر، لأنها حينئذ لم تجزم بأقدمية النص، وبالفعل أثبتت الدراسات الأدبية بأن هذا النص لم يكن أقدم نص، وإنما هناك ما هو أقدم منه إن لم يكن في نفس الحقبة الزمنية. ـ وسوف نتحدث عن ذلك النص الشعري في موضعه عند حديثنا عن الشعر الحر عن الشعراء السعوديين إن شاء الله.
ثم تحاول نازك مرة أخرى نفي تلك البدايات ن فتطرح سؤالا تبرز من خلال إجابته أن تلك البدايات غير موفقة، أو لم تخضع لشروط ومواصفات معينة سنعرفها فيما بعد، فتقول: " هل نستطيع أن نحكم بأن حركة الشعر الحر بدأت في العراق سنة 1921 م، أو أنها في مصر سنة 1923 م.
وبالفعل أن ما توصلت إليه نازك من خلال إجابتها بنفسها على سؤالها المطروح آنفا يؤكد من جانبها نفي الحكم عن بدايات تلك الحركة، لأنها لم تنطبق عليها الشروط التي رسمتها لفاعلية تلك الأوليات، ومن هنا احتفظت نازك لنفسها بفضل السبق في ولادة الشعر الحر عام 1947م، وكأن ما ولد قبل ذلك كان خداجا، ولم يستوف مدة الحمل التي حددتها السيدة نازك لمثل هذه البدايات الفنية.
أما الشروط التي فرضتها لتطبيقها على تلك الأوليات هي: (بتصرف)
1 ـ أن يكون ناظم القصيدة واعيا إلى أنه قد استحدث بقصيدته أسلوبا وزنيا جديدا.
2 ـ أن يقدم الشاعر قصيدته تلك أو قصائده مصحوبة بدعوة إلى الشعراء يدعوهم فيها إلى استعمال هذا اللون في جرأة وثقة.
3 ـ أن تستثير دعوته صدى بعيدا لدى النقاد والقراء.
4 ـ أن يستجيب الشعراء للدعوة، ويبدؤوا فورا باستعمال اللون الجديد.
وبتلك الشروط الآنفة تنفي نازك البدايات الأولى للشعر الحر سواء أكانت في العراق سنة 1921 م أو في مصر سنة 1932 م، لأنها لم تنطبق على تلك الأعمال الشعرية، والتي تعتبر الإرهاصات الأولى للشعر الحر. كما أن نازك بهذه الشروط كأنها نصبت نفسها حاميا ومقننا للشعر الحر، فما تجاوز منه هذه الشروط التي لا تمت لفنيات القصيدة بصلة لا يعد منه.
وإذا كانت هذه الشروط التي وضعتها نازك باختيارها الشخصي لم تنطبق على الأعمال التي أشارت إليها بنفسها ن هل يعني هذا أن نسلم أن بدايات الشعر الحر لك يكن لها وجود قبل عام 1947 م، وهو التاريخ الذي حددت فيه نازك البداية الفعلية لهذا اللون من الشعر؟
إن الإجابة على هذا السؤال ـ في رأيي ـ تحتاج إلى وقفة متأنية، لأن نازك عندما قررت تلك البداية لم تطلع على الأعمال الشعرية الأخرى لشعراء آخرين غير التي اطلعت عليها في الشعر الحر قبل عام 1947 م، ولها في ذلك عذر، لأنه حينئذ ليس من اليسير على الإنسان أن يكون على علم كامل بكل ما أنتجه الشعراء، أو الأدباء في حقبة زمنية ليست بالقصيرة، وعلى اتساع أقطار العالم العربي، في فترة كانت وسائل الإعلام والنشر أعجز مما أن تؤدي مهمتها بنجاح، وإن كان الأمر يتطلب بعدم الجزم في مثل هذه الأحوال ـ بأن الساحة الأدبية خلو تماما من أمثال هذه الأعمال الأدبية، وهذا ما وقعت فيه نازك عندما ظنت أنه لم يسبقها إلى هذا العمل أحد من الشعراء، فأصدرت حكمها وأطلقته، وقررت أن البدايات الفعلية للشعر الحر كانت في العراق ن ومن بغداد بالذات عام 1947 م.
وبعد هذا العرض المفصل لنشأة الشعر الحر، إن ما نريد الوصول إليه أن السيدة نازك الملائكة قد حكمت وأطلقت الحكم وعممته دون ترو منها، لأن هناك بدايات غير التي أشارت إليها أيضا، وإن كانت هذه البدايات لم تحفل باهتمامها، أو لم تنطبق عليها شروطها، فإن هذه البدايات ربما تكون ذا شأن في تحديد نشأة الشعر الحر تحديدا فعليا، ويحسم الموقف، على الرغم بأننا لا نريد أن نجزم بأنها قد تكون البداية الأولى أيضا فنطلق الحكم ونعممه، ونقع فيما وقعت فيه نازك، لن التاريخ ربما يثبت غير ذلك فيما بعد. أما هذه البدايات فسوف نتحدث عنها في موضعها إن شاء الله، وقد ألمحنا لهذا سابقا.
من كتابنا نشأة الشعر السعودي واتجاهاته الأدبية
د. مسعد زياد
خبير تربوي وأستاذ جامعي
عضو تجمع الأدباء والكتاب الفلسطينيين
ـ[سوآر محمد]ــــــــ[19 - 03 - 2009, 10:07 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
شرح واضح ومفصل د. مسعد زياد
حقاً أسلوبك رائع ايُها الكاتب المُصقَع
رجاءً أكمل هذه السلسله الشيقه مِن علوم الشعر الحُر
شُكراً لَك وَجزاك المولى عَنا خَير الجَزاء