فيا جارتي وأنت غير مليمة ذا ذُكرت ولابذات تقلت
لقد أعجبتني لاسقوطا قناعها إذا ما مشت ولا بذات تلفت
تبيت بعيد النوم تهدي غبوقها لجارتها إذا الهدية قلت
تحل بمنجاة من اللوم بيتها إذا مابيوت بالمذمة حلت
كأن لها في الأرض نسياً تقصه على أمها وان تكلمك تبلت
أ ُميمة لايخزي نثاها حليلها إذا ذكر النسوان عفت وجلت
إذا هو أمسى آب قرة عينه مآب السعيد لم يسل: أين ظلت
تتحدث هذه الأبيات الجميلة عن النموذج الأنثوي فهو يظهر في هذه الأبيات في صورة متكاملة الأبعاد للأنموذج الأنثوي ضمن أبعاد ثلاثة: البعد النفسي، والبعد الجسمي، والبعد الاجتماعي " (7) فقد نبضت في الأبيات الصفات المعنوية والنفسية. 7 - نفس المصدر السابق
فزوجته وقور والجدب." خجول شديدة الحياء عفيفة سمحة لاتتناولها الألسن، ولا يسقط قناعها أثناء مشيها ولا تكثر من التلفت حتى لاتحوم عليها الشبهات،وإنما تسيير في طريقها غاضة بصرها كأن لها في الأرض شيئا تبحث فيه، وهي لشدة حيائها فغن الكلام يموت على شفتيها، وهي حريصة على سمعتها وعلى سمعت بيتها،وتتخذ من ضميرها رقيبا يحاسبها ويجنبها الخطأ واللوم والانحراف.هذا من جهة ابعد النفسي.اما من جهة البعد الاجتماعي الذي ركز عليه الشاعر في رسم صورة زوجته،فقد اشتمل على السلوك المعرفي في قيمتي الوفاء والكرم، فالوفاء قيمة ذات أهمية كبيرة بالنسبة إلى الصعلوك , إنه يبحث دائماً عن الوفاء الذي يوفر له الراحة النفسية والطمأنينة والاستقرار.
ومن هنا ركز الشنفرى على وفاء أميمه وحبها له في غيبته وفي حضوره.
فهو شديد الثقة والاعتزاز بها، فهي تراعي عهده وتصون كرامته وعرضه، وإذ آب إليها بعد رحلة أو غارة وقعت عيناه على مايسعده ويسره. وهي أيضا كريمة مع جاراتها، حسنة المعشر والمعاملة تؤثرهن على نفسها ولو كان بها خصصه.وفي أوقات الشدة والجدب والقحط تهدي لهن ماتحتفظ به في بيتها من زاد أو لبن.
وبهذا يركز على الكرم الحقيقي والتكافل الاجتماعي الذي ينبغي أن يهيمن على مجتمع الصعاليك الذي يعاني من الفقر " وهنا تكمن قيمة الكرم الحقيقة باعتباره وسيلة لاستمرار الحياة وليس معناً اجتماعياً" (8) - الزبيدي " تائية " ص 41 ومابعدها.
وإتماما لأبعاد الصورة المثالية التي رسمها الشنفرى لأميمة والتي دفعت الأصمعي إلى القول عن أبيات مقدمة قصيدة الشنفرى:" هذه الأبيات أحسن ماقيل في خفر النساء وعفتهن " (9) نرى الشنفرى يتحدث عن البعد الجسمي، مضيفاً عناصر جمالية حسية جاءت لتجميل الصورة المعنوية الكلية.9 - النباري، شرح المفضليات.فهو يذكر أن مجالسة امرأته انتشى وثمل من مجالستها حتى لكأن البيت قد شملته ريحانة منظراً وحديثاً ولطفاً وعطفا واستقصى في وصف الريحانة فذكر موضوعها وهيئتها.
ويرى المجذوب أن هذه المقدمة شاهد عدل على أن الجاهليين كانوا يعرفون ويتقنون وصف الأخلاق، ثم هو يعد شاهد عدل في أن الأخلاق في أقصى ذرا مثلها العليا مما يخرج في باب الغزل عن معاني لوعة الجنس "10"- عبدالله الطيب المجذوب،المرشد ‘لى فهم أشعار العرب وصناعتها، ط1 (بيروت: دار الفكر، 1970 م) ج3 1120
نرى من ذلك ومما تقدم إن المقدمة تتضمن تركيزا على الأنموذج الأعلى للمرأة عند الصعاليك، هذا النموذج يتخلى عن الحسية التي رُكز عليها في معظم مقدمات الشعر العربي. وتبعاً لذلك برزت المعنوية بشكل لافت للنظر بما تشمل من صفات ومزايا تتناسب وطبيعة حياة الصعاليك الكثيرة الغزوات والغارات.
فالصعلوك المغير لايهتم بالجمال الحسي بقدر ما يهتم بالجمال المعنوي بالنسبة إلى المرأة، ولعل ذلك يعود إلى عدم الثبات والاستقرار اللذين يميزان حياة الصعاليك،إضافة إلى كثرة مغامراتهم التي تستدعي المكوث الطويل خارج بيوتهم وترمز هذه المعنوية للشنفرى إلى ارتياحه وتوازنه إلى هذا الجانب النفسي المتمثل في الجانب الداخلي وهو بيته المتضمن زوجته الأمر الذي يكون فيه إلى هذا الجانب مطمئناً، والذي يزيد أيضاً من فاعلية الجانب الخارجي وهو الغزو والغارات ويقلص من حجم الصراع النفسي والتوتر الذي يسببه عدم اطمئنانه إلى الجانب الداخلي لو كان غير ماوصفه.
وأم عيال قد شهدت تقوتهم إذا أطعمتهم أوتحت وأقلت
تخاف علنا العيل إن هي أكثرت ونحن جياع أي آل تألت
¥