ويعود الشاعر في خاتمة القصيدة للتركيز على (الأنا) وإظهار مزاياها وإبراز عنصري التحدي والرادة الصلبة الناتجين عن شعور البعد عن الفتيلة. وبرزت ذات الشاعر أكثر قوة مدعمه بثنائية ضدية (حلو، مر) تشكل الفاعلية المعنوية والمادية لدى الشاعر , وتوضح موقفه من غزوته التي قام بها مع رفاقه الصعاليك، كما يكشف في الخاتمة قدرته على التصدي للواقع ويرسم خريطته النفسية مبيناً أنه بين حالين لاثالث لهما فهو حلو لمن يطلب حلاوته ويحترمه، ويجازي الخير بمثله، وهو مرّ على من يعاديه ويظلمه، ويجازي الشر بالشر.
وإني لحلو إن أريدت حلاوتي ومرٌّ إذا نفس العزوف استمرت
أبي لما يأبى سريع مباءتي إلى كل نفس تنتحي في مسرتي
السلوك الفني في القصيدة:
لقد اشتملت تائية الشنفرى على جملة معطيات فنية لابد من استقرائها وتحليلها. فعلى صعيد البنية الإيقاعية الخارجية والداخلية يبدو اختيار البحر الطويل منسجما مع قصدية الشاعر إلى التركيز على النموذج الأسناني، سواء منه الأنثوي أو الذكوري. فالبحر الطويل يعكس قوة الإيقاع ورصانة الأداء وفخامته. وله رنة موسيقية قوية فهو يناسب معاني التغني بجلالة الماضي وعنصر القصص من الطراز الذي يدعو السامع لأن يصغي ويتفهم قبل أن يهتز ويرقص. كما يشكل الروي والقافية عناصر البنية الإيقاعية الخارجية. وحرف الروي (تا) للتأنيث هيمن على القصيدة ومتد على جسدها بكاملها وشكل العامود الفقري فيها وهو يرمز في الوقت نفسه لأميمة زوجة الشنفرى الذي ذكرها مرتين بالاسم ومرتين بالكنية.ووظيفة التكرار تعكس تجربة الشاعر الانفعالية التي يعيشها، وتبين الصلة الوثيقة بالمعنى العام للنص الشعري ويكشف مدى المساهمة التي يقدمها التكرار في تكوين بناء السياق العام الذي يوضحه الشاعر. كما تقوم القصيدة على عنصر القصة. والواقعية. والصدق في التصوير، والدقة في التعبير،والصور البيانية، أما لغة القصيدة فهي تمتاز بالمتانة وقوة السبك والانتقائية المطبوعة بأسلوب بعيد عن الصنعة والغرابة والتكلف.
وقد استطاع الشاعر من خلال رسمه لنوذجين عبر صيغة جمالية توشحت بقالب قصصي فني مميز. ان يكشف عن تصوره لطبيعة المجتمع المتكامل الذي يتوق اله الصعاليك، ويركز على القيم والمزايا المعنوية الغائبة في مجتمعه , ويبرز صراع الذات في سبيل رغبتها في تطويح سلطة الاضطهاد من اجل بناء حالة تصالح متكافئة بينه وبين المجتمع.
ـ[وضحاء .. ]ــــــــ[03 - 06 - 2006, 01:37 ص]ـ
شكرا لك على موضوعك الجميل أخي الفاضل.
ـ[عنقود الزواهر]ــــــــ[05 - 06 - 2006, 05:47 ص]ـ
تأمل معي رص العبارات وتقديمها بطريق خطابي شعري في قول الناقد:
" القيم السلوكية المعرفية التي تمنح الفن ومنه الشعر شرعية العبور خارج دائرة الزمان والمكان ولأمم والشعوب إلى فضاءات الإنسانية الواسعة"، فجملة خارج دائرة ... ، هي مجرد جملة شعرية تستخدمها النخبة للتأثير، وقد تكون مقصودة من الناقد، وهذا ما لا نرجوه، فالعبور خارج دائرة الزمان والمكان لا يتناسب مع قيمنا وأخلاقنا، بل الواجب الاستمرار داخل الزمان والمكان الذي يشملهما.
وفي قوله: "فالقصيدة ترسم المرأة لإنسانه في جانبها المعرفي السلوكي"، فقوله: " المرأة الإنسانية" يدل على تأثر الناقد بكتب النقد المتأثرة بالمذاهب الإنسانية، التي تتجاوز الزمان والمكان على حد تعبير الناقد، فيما سبق. والمراد بالتجاوز هنا الخروج من عبودية النص المنزل والترقي في التطور النيتشوي، في ظل الفراغ العقدي الذي بلي به الفكر الأوربي إبان الثورة الفرنسية والتطاول اللوثري. وقد تكررت الإشارة إلى هذا المصطلح المنسوب إلى الإنسانية غير المحدودة بزمن أو مكان.
والنص السابق قد اشتمل على الكثير من الجمل الخطابية والتركيبات الكوكتيلية التي تحيز الفكر في دائرة التلذذ، بعيدا عن المحتوى الثقافي للناقد.
وبالجملة لن تجد أحدا من النقاد الإنسانيين يشيرون إلى المخالفات النصية التي تتعارض مع المحتوى الثقافي والعقدي للناقد.