تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثالثا: أن يتم توقيعها من طرف مؤلفين اثنين هما: الشاعر، والقاص. أو الشاعر، والروائي.

هذه هي التقنية التي ظهرت في القصة الظليلة، وهي جنس أدبي جديد سيمتعنا به القاص، والروائي. سيعمد القاص والروائي إلى اعتماد هذه التقنية لكتابة قصة ظليلة، ورواية ظليلة، سيعمد إلى قصائد سردية رائعة، وما أكثرها، للاقتباس منها.

وفي النهاية نستمتع بقصص وروايات ظليلة يشترك فيها مؤلفان اثنان، شاعر، وقاص. أو شاعر وروائي. سنستمتع بنصوص سردية رائعة قد كتب تحتها اسمان، واحد للشاعر صاحب القصيدة الشعرية، والقطعة، أو البيت من الشعر والبيتين الذين تم الاقتباس منهما، والثاني للقاص، والروائي الذي بنى قصته وروايته بشيء اختاره من الشعر السردي. ستكتحل أعيننا برواية، أو قصة قد كتب تحتها:

محمد محمد البقاش محمد محمد البقاش

جرول بن أوس {الحطيئة} عبد الله بن عمر العرجي


الأفق البدين (قصة ظليلة)

لا يمل السراب الرقص فوقها. يداعب الأسباب والأوتاد ويستمع لعزف الرياح عليها. تخترقه العين، ثم ترتد على آثارها قصصا. لا ترضى لونا بديلا عن بقرة موسى.
قلب خيمة تجلس أسرة يجلدها الجوع جلدا. تشارف أرواحهم التراقي. يتخمون من جلادهم، ثم يعتصون على الطوى.
أسرة هاج اشتياقها للطعام المهاجر. الفقر جرم مقايم يؤزهم أزا، يحاور الأب والابن والزوج. لا يناظرهم، (شوبهم) يغالبهم رغم نذالته ووضاعته، رغم جبنه وغباوته، بين الحين والآخر يقدم كلبهم فيشاغر عليه، وعلى الجرم، ويسقيهما عطرا.
السماء فوقهم ظليلة بلهيبها. والأرض تحتهم ساكنة بنارها. شظف عيشهم ردف قناعتهم. يتقاسمون الفاقة، ولا يملون المداولة ..
بدن الأفق فأطلق وليده. قدم مدفوعا بأنزيمات هائجة كأن بينها وبين أنزيمات الخيمة قرابة. وانتصب الشبح كما ينتصب لص الشعوب في واشنطن، عندها وقف ابن أبيه، وركض حافيا نحوه يريد خطف ما جنه، ثم توجه إلى أبيه يقول:
- لا تغتم يا أبت.
فرد عليه أبوه:
- كيف، وهذا ضيف ولا قرى؟
- يا أبت اذبحني، ويسر له طعما.
- لا، سأعتذر بالعدم.
- إذن يظن لنا مالا فيوسعنا ذما.
أصبحت حيرتهم كخلايا الدم تطرق الجسم كله بما تحمله من أسى وأسف. بات العربي بخيلا بفقره وعوزه، صار الكريم لئيما، واللئيم كريما ..
نادى جرول على ابنه قبل حضور الضيف، وكان قد حفر حفرة وسيعة انطرح فيها وهو يقول له:
- عجل يا بني وئدني، فسيتجاوز عنك ضيفك لصغرك، ولا يتهمك بالبخل.
التراب يلقى على المنطرح في الحفيرة. الضيف يقترب. الابن يسرع في غيار والده خشية العار. الأم تتخاذل، وتثبط همة ولدها. الطفل لا يبالي. ولما لم يغض أباه في الأرض، وكان الضيف قد وقف على القبر، وشمر عن ساعديه لمساعدة الطفل على دفن قريبه، خاطبته زوج جرول قائلة: " إن زوجي سليم من أفعى، ويعتقد في شفائه بالطمر "، عندها أبدى الضيف معرفته بالشفاء، ورغبهم في خبرته، فترجته الأم، ثم أخرج الضيف جرول من قبره، وطرحه على بطنه، واهتم بثقبين أحدثتهما زوجة جرول توكيدا لصدقها، وتمويها لنابي الأفعى، فشرع الرجل يجرح موضع اللدغ في رجل جرول ويعصرها، ويمتص الدم الملوث بفمه ..
أضحى جرول ساعتها تحت سلطان الألم من زوجه، وضيفه، وسلطان العار من فقره وحاجته. كان تحتهما يلقي بنظره في الأفق البعيد، ويتأمل أشباحا أخرى ظهرت له لتزيده ألما وغما، لم يكن يتصور غير ضيوف أخر يقصدون خيمته، ولكنه حين تبين أدرك أنها حمر وحشية تقصد مستنقعا قريبا من خيمته.
تحرر من يد الطبيب الضيف، ونهض مندفعا نحو قوسه وكنانته، وجرى خلفها.
أدرك جرول الفرائس وهي تنهل من ماء المستنقع. رأى حمرا لا تبالي، لو كانت إلى جانب أسد تشاركها منهلها لما نفرت، حمر عطاشى قد أدركت رواءها بعد عناء.
انتظر جرول فرائسه حتى ترتوي، وتأخذ نفسها، وحين اطمأن إلى ارتوائها سدد سهما من كنانته إلى السمينة منها فأصابها.
أقبل على فريسته وهي تفحص برجلها حتى وقف عليها باشا قد ذهبت حيرته، وزالت حسرته ..
جر صيده وقد أرهقه اكتنازها، وأعياه اعتثارها ..
باتوا كراما قد قضوا حق ضيفهم، فلم يغرموا غرما، وقد غنموا غنما ..
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير