تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويح قلبي ما أرى من تملق، من دناءة نفس ونصب شراك

لكن روح الانسان تتجلى هنا بفلسفة حكيمة تسمو عن الماديات وتنصهر بألم الفراق، وتظهر هنا من خلال .. هي ذي الدنيا، عظيم أنت فوقها وذليل بعد أن واراك تفني عمرك جاهدا يكفيك قبلة من أفنيت لهم على محياك والأغلب أنه الأم كما يشير النص الذي يلي هذ النص (الفقد) والذي يجيب على السؤال من خلال العبارات ..

دمي لا يزال يجري في عروقك

أم نسيت أنني شاركتك نفسي وأنت في عمق عمق أحشائي إن مفاهيما فلسفية عديدة تظهر في نصوص لاحقة، ففي نص (جروح) .. جروح لا تلبث أن تندمل الا وتنزع قشورها لتترك ذاك الألم فتخلق حروفا أقرب منها إلى الدموع أما في (كبرياء) فتظهر فلسفة الحب في الكرامة والكبرياء، فالخيانة لا تحتمل والكبرياء أكبر من الحب، ومن لا يحترم نفسه ويحافظ على كبريائه فهو لا يعرف الحب ومعناه، وفي هذا النص وبعد إستعراض للحب الذي دمرته خيانة تقول في النهاية .. نسيتك، لا والذي خلق السماء ولكن لي عزة لا تندثر

انا إمرأة تنحني للنسيم

وتأبى للرياح أن تنكسر

ويتكرر الحديث عن الكبرياء في (الجفاف)، فنرى الإصرار على الفراق بكبرياء .. طافت أكاليل فرقة سطح ماء

ألوانها الراكدة تعلن الخاتمة بكبرياء

فلنحفظ بقايا عشق وإن كان أشلاء

ليوم لا يبق فيه من الذكريات غير أصداء

وفي (الشغف) نرى صورة جميلة لشغف القلوب ..

حديث اللسان يمور بفرق

يجور على النفس إن كان يهذي

فالقلب أدرى بشغف شوق

برعش أوتار، ببكاء لحن

(الصمت) فلسفة للصمت حين يكون معبرا أكثر من الكلام، فالخوالج هنا تقودنا إلى سراديب دواخلنا تنتظر بصيصا لتخرج للنور، بشعاع أبدي عبر المدى تلهب من إغتسل بكحول النوى، وتبدأ الرقص على زوابع الأنغام .. كيف لا ألتفت لصمتك بعد هذا والصمت أبلغ من الكلمات أقنعة يرتديها البشر في حياتهم، إثنان يلتقيان في محطة القطار يمسك يدها وتمسك يده ويتناجيان وتلف الانفاس منهما ندوب القلوب، وفي المساء يفترقان بصمت وحرقة ككل يوم، صورة نراها مفعمة بصورة الروح الانسانية في (المحطة) .. يحضن زوجته القابعة في إنتظاره تحضن زوجها الغارق في بروده فتقبع أحاسيسهم كرسيهم المعهود تنتظرهم للصباح

مجموعة نصوص قصيرة حملت عناوين تشي بمجموعة فلسفات وحكمة في ثناياها، ففي النصوص المعنونة (الإحتواء، الإشتياق، الواقع، السكون، الحسن، البحر) إقتطفت المقاطع التالية الدالة على روح الإنسان في النصوص .. وهي إشارات ليست بحاجة إلى تفسير أو بحث، فالإنسان بروحه وفلسفته واضح فيها ..

الإحتواء

عجبا سيدي كيف تشعر بالضياع

ووشاح روحي يدثر ثناك

الإشتياق

فأطلق العنان لقلبك بالهياج

ما عاش حب وارتوى

إلا بتأجج الفناء

الواقع

أسكب ما تريد من الندى

فالظامئ يرتوي ولو بقطرات

السكون

لي عالم مفعم بنور الشمس

هانئ من يجد فيه ملاذه

الحسن

الحسن حسن الرأي

والجمال في عين من يراه

وكل ما لدينا من إبداع الخالق

وما علينا الا أن نرعاه

البحر

حط الرحال فقد تعبت من السفر

وأسكن ديارا، الأساطير فيها ترتجى

وفي جولتي في نصوص جيهان قلعي إستوقفني بشكل خاص نصين هما (الإتحاد) و (جميلة) والنص الثاني إختلف عن كافة النصوص بأنه قصة قصيرة إنسانية .. أما (الإتحاد) فهو مناجاة روحية لطيف بعيد وحبيب غائب، لم يؤثر البعد والغياب في هذا الحب الذي يتأجج يوما بعد يوم، فنرى العديد من صور شفافة وجميلة ومناجاة تداعب الروح في ثنايا النص، ولعلي حين تأثرت بهذا النص كان ذلك ناتج عن عادتي في نصوصي بمناجاة طيفي البعيد الذي يتكرر في كل نصوصي تقريبا وخاصة في صباحاتي اليومية للوطن .. وقد ارتأيت أن أقتطف بعض من زهور هذا النص للدلالة على الروح الجميلة الشفافة التي سادت هذا النص ...

طيفك لا زال قابعا غرفتي

ألتقيه عند الإشتياق

فلا زاد قرب المسافات حبا

ولا أنقصه زود البعاد

.......

أوصد ابوابك كاملة

فلديك حبا، لو وزع على العالم لفاض

أن تكون أنا، أو أكون أنت

المهم هو الإتحاد

.....

أنا هنا .. أنت هناك

يجمعنا بدر في السماء

.....

لا توقف الزمان، بل إستعجله

لنصل الوعد، لنصل مملكة الضياء

عندها نهدم ذلك الجسر ونلتقي

ونسعد كما دائما بذاك اللقاء

(جميلة) إبنة العاشرة طفلة ترقد في المشفى مصابة بحروق شديدة من جراء نيران إلتهمت مستقبلها في قذائف الحقد التي قتلت أهلها، الذين دفنوا في لبنان ضحايا من مجازر صبرا وشاتيلا، تلتقي بها راوية النص صدفة في مستشفى دولة أخرى، فتدخل في وصف يسوده ألم الروح الإنسانية فتجول بنا بين كلمات جميلة ونضجها وألمها ورغبتها أن تغير إسمها لأنه لم يعد يرتبط بها بعد هذه الحروق التي أصابت جسدها وشوهتها، تعبر عن ذلك بعبارة متميزة (ظننت أني في قمة معاناتي بغربتي، ما أنا إلا حشرة أمام قمة معاناة طفلة لا تتعدى العاشرة) ..

لم يحتمل جسد جميلة الغض الحروق والألم فتستشهد بحروقها لتنتقل روحها إلى السماء لتلتقي مع روح أهلها وأمها .. تاركة الراوية ترن بأذنها عبارة الشهيدة الطفلة جميلة (أعذريني ليس هناك من يستطيع إحتلال عرش أمي) ....

(هذا النص للكاتب زياد الجيوسي)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير