تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[معاوية]ــــــــ[29 - 09 - 2006, 02:07 م]ـ

وهذا الاضطراب الدلالي يبلغ حدًّا تسقط معه كل شروط المعنى المقنن، فكلمة (كذب) تشير إلى جدول دلالي متنوع ومختلف، بل إنها قد لا تعني أي معنى، وإنما تشير فقط وتكون علامة حرة لا يقيدها أي قيد، وفي ذلك قال الشيخ أبو علي الفارسي عارضًا المسألة عرضًا منطقيًّا: " الكذب ضرب من القول، وهو نطق، كما أن القول نطق، فإذا جاز في القول الذي الكذب ضرب منه أن يتسع فيه فيجعل غير نطق، جاز في الكذب أن يجعل غير نطق" (1).فالكذب ـ إذن ـ صوت لغوي مطلق الدلالة أشبه ما يكون بلغة الصمت ولغة الحيوانات التي تدل دلالة مبهمة لا يفك لغزها إلاّ بالتأويل والتفسير.

(1) الزمخشري: الفائق 2/ 250.

ـ[معاوية]ــــــــ[30 - 09 - 2006, 10:28 م]ـ

وهي مثلما تكون صوتًا مطلق الدلالة فإنها أيضًا تكون كلمة قاطعة الدلالة، وتأتي (كذب) بمعنى وجب، ومن ذلك ما يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله:

كذب عليكم الحج، كذب عليكم العمرة، كذب عليكم الجهاد. ثلاثة أسفار كذبن عليكم. أي وجب عليكم، وجب عليكم. ومنه قوله:

كذبتك الظهائر. أي عليك بالمشي في حرّ الهواجر. ومنه الحديث الشريف:

فمن احتجم فيوم الخميس والأحد كذباكأي عليك بهما (1).

(1) الزمخشري: الفائق 2/ 250، (انظر القاموس المحيط مادة ـ كذب ـ)

ـ[معاوية]ــــــــ[01 - 10 - 2006, 02:11 م]ـ

هذا معنى من معاني (كذب) فيه تحديد وحصر، يقابل ما قاله الفارسي عن الدلالة المطلقة والإشارة الحرة. ومن باب إمعان الزمخشري في مداخلة هذه الكلمة وملاحقتها، ليس لحل مشكلتها ولكن لإظهار هذه المشكلة وإبرازها، فإنه يلجأ إلى ملاحظة سياق الكلام، ولذا يحاول طرح تصوّر جريء ينافس التأويلات السابقة فيقول واصفًا قوله بأنه هو الـ قول:

عندي قول هو القول، وهو أنها كلمة جرت مجرى المثل في كلامهم ... ... والمراد بالكذب الترغيب والبعث، من قول العرب: كذبته نفسه إذا منته الأماني وخيلت إليه من الآمال ما لا يكاد يكون. وذلك ما يرغب الرجل في الأمور، ويبعثه على التعرّض لها. ويقولون في عكس ذلك: صدقته نفسه، إذا ثبطته وخيلت إليه المعجزة والنكد في الطلب. ومن ثمت قالوا للنفس الكذوب (1).

(1) الزمخشري: الفائق 2/ 252.

ـ[معاوية]ــــــــ[05 - 10 - 2006, 02:04 م]ـ

والزمخشري هنا يقدم لنا كلمة ذات قيمة دلالية وفنية وأخلاقية عالية جدًا، على حين تكون كلمة (صدق) أقل دلالة وأضعف. ذاك لأن كلمة (كذب) ذات طاقة مرتفعة لأنها تحمل القدرة على التخييل وخلق الأماني مما لا يكاد يكون، هذا هو ما يرغّب الإنسان ويبعث فيه حسّ الابتكار والحركة، وتلك هي دلالة الترغيب والبعث التي تجعل النفس موصوفة بأنها (الكذوب) أي الراغبة المنبعثة والعامرة بالخيال الحي والأماني الدافعة. بينما (الصدق) يحمل هنا وفي مقابل ذلك دلالات التثبيط والتقاعس فإذا صدقت النفس مع صاحبها أفضت به إلى الركود، وإذا كذبته دفعت به إلى الابتكار والانتعاش والبعث. هذا هو القول الذي هو الـ قول، الذي بلغ مبلغًا جماعيًّا حيث صارت الكلمة المشكلة بمنزلة (المثل السائر). والأمثال هي لغة جماعية تنطلق بلسان الأمة وبضميرها وتعبر عن اللاشعور الجمعي فيها، وكأنما كلمة (كذب) تعبير جماعي لحسّ بشري ولغوي شامل مثلما الأمثال ــ حسب ما يقول الإمام الزمخشري وغيره من اللغويين ــ.

ـ[معاوية]ــــــــ[28 - 10 - 2006, 02:10 م]ـ

ومثلما جاءت كلمة (كذب) بمعنى وجب، فإنها تتضمن دلالات التنشيط والبعث النفسي، فالقول: ليكذ ّبك الحج أي لينشطك ويبعثك على فعله (1).

(1) القاموس المحيط، مادة (كذب).

ـ[معاوية]ــــــــ[04 - 12 - 2006, 12:37 م]ـ

ومن مدخل التنشيط والبعث النفسي تأتي دلالات أخر تشير إلى مفهوم التمثيل والتخييل الجمالي. ومنها صورة الحيوان الوحشي إذا جرى شوطًا ثم وقف لينظر ما وراءه، فإن فعله هذا وما فيه من حركة وتحفز يأتي من باب (التكذيب)، فيقولون كذ ّب الوحشي ويقصدون به تلك الصورة المتوثبة وما فيها من حركات متوالية في الجري والوقوف والنظر إلى الخلف، وهذه مجموعة من الأفعال تصهرها كلها كلمة واحدة ولكنها ذات دلالات تتنوع وتختلف.

ـ[ابن النحوية]ــــــــ[05 - 12 - 2006, 10:49 م]ـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير