تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بالشال فدهمني شعور غامض بأني لست أنا وأني كبرت سنينا. أمسكتني والدتي من يدي ومشت إلي خافضة الرأس والعينيني كلتانا، حيث أشار والدي بصوت حازم: إلى هناك! في الغرفة الضيقة حيث جلست وسط أخوتي".

وعليه، تكون القاصة قد قامت بتوظيف الرمزية المرتكزة على توظيف الألوان المستمدة لدلالاتها من إيحاءات ومدلولات تمنحنا إياها الألوان، ونجد هذا البعد الرمزي لدى العديد من الكتاب، ومنهم الكاتب الأمريكي "نياثنيل هوثورن" صاحب الرواية الشهيرة " The Scarlet letter" أو "الحرف القرمزي،" والتي بنيت على المستوى الرمزي المستند إلى إيحاءات الألوان. مما يساهم في تفسير حالة القهر والسيطرة الذكورية والواقع الاجتماعي ليصب في بوتقة الثيمة ذات الطابع النسوي.

أما الأفعال فقد تم توظيفها بما يتناسب مع رمزية الألوان والمساحات السردية التي تقوم الألوان بفصلها حيث نلاحظ أن أغلب الأفعال التي وردت في بداية القصة هي أفعال تقوم بها الشخصية الرئيسية في العمل، وبهذا فهي أفعال تجسد الإدارة الحرة للأنثى لقيامها بالفعل وكونها المؤثر في عملية الفعل، "كنت أهيم، سأتشكل فراشة ملونة، وأظل تتلقطني احضان النائم، أواصل ركضي في الخضار، أهم بإفلات ضحكة لأفق واعد بالنور، ... الخ .. " وحتى لو وقع عليها الفعل وكانت هي المتأثر به، فإن هذه الأفعال ذات دلالة إيجابية، مثل "وروحي غزالة ترمح، ترشقني العيون بالإعجاب، ربما تخطفني أصابع عاشق ولهان ويهديني لحبيبته".

ومن ثم نصل إلى المساحة الانتقالية والتي تقوم القاصة بالفصل مابين الأفعال التي تمنح الأنثى الإرادة الحرة والأفعال التي تسلبها كينونتها وتحيلها إلى مساحات معتمة، وهي أفعال مؤثرة يقع تأثيرها السلبي على الشخصية الرئيسية في العمل. حيث وظفت القاصة الفعل وعدت، من جملة "عدت بسرعة من خضاري إلى بياض البيت" ومرة أخرى تتفتح المساحة البيضاء الفاصلة مابين الألوان الزاهية المفعمة بالحياة والتي تجسد ذات الأنثى وحياتها والألوان القاتمة المغيبة لذات الشخصية التي يرسم بها والدها لوحة القهر والاستلاب. أما الفعل "عدت" فهو وليد الفعل "يخنق" الذي يعود على (صوت ذكوري) فعودتها إلى البيت جاءت نتيجة مناداة والدها عليها بحدة خنقت ضحكتها الواعدة بالنور. ومن الأمثلة على الأفعال ذات المحمول السلبي والمؤثرة في الشخصة "والدي وأخواتي الغلاظ يتكومون بانتظاري، ووالدتي وأختاي يغسلن أكواما هائلة من ملابس قذرة، غمز والدي أحد أخوتي الشداد، تطلع والدي في جسدي الصغير، صوت والدي يفجر الصمت: تعالي!، جاءت أختاي بإشارة من والدي ونزعتا عن جسدي الصغير ثوبا قصيرا ملونا بألوان الفراش، أخرج والدي ما في الكيس: ثوبا أسود طويلا .. ، ألبستني أمي الثوب، أمسكتني والدتي من يدي ومشت، الخ ... " وبهذا نستطيع تقسيم القصة إلى ثلاث مساحات سردية: المساحة أ: وهي مساحة الألوان المتنوعة الزاهية والمفعمة بالحياة، والأفعال التي تمنح الأنثى الإدارة الحرة وفرصة الاختيار. والمساحة ب وهي المساحة البيضاء التي تتسم بالصفاء فتغدو سكينة وهدوء يسبقان التحول في نمط السرد. والمساحة ج، وهي المساحة السوداء المظلمة والأفعال الذكورية المحضة التي تنتج فعل القهر والسيطرة ومصادرة الذات. و بهذا نرى ان القاصة قد اثرت البقاء حبيسة جدران غرفة نسوية الكتابة على التحليق في امدية لا يحدها نطاق.

في شوارع الكتابة وأزقتها، وضمن أحياء القصة القصيرة الواقعية نستطيع تناول القاصة حزامة حبايب لما تتسم بها الآلية السردية لديها من حداثوية تجسد صور الفعل الاعتيادي الذي نمارسه ونحياه فوق خشبة مسرح الحياة، كما لو أن الكاتبة تكتب قصة عنوانها "الحياة" فلا تعدو المساحات السردية لديها سوى اجتزاءات واقتطاعات من الحياة الاعتيادية غلفتها قطع من المرايا الزجاجية المتقنة الصقل فتكون المساحة السردية هي مجرد انعكاس غاية في الدقة للمشهد المواجه لها، فعندما يقف الشخص أمام المرآة فإنه يرى صورته فوق مساحاتها المصقولة. أما مجموع هذه المرايا، فإنه يشكل اللوحة الكلية التي تجسد الواقعية " Realism" أو المرآة الكلية التي تعكس الصور الاعتيادية اليومية للحياة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير