تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كزائر للمتحف السردي الحداثوي، أرى "انعكاسي" في المرايا وبالتالي أحاول "قراءة نفسي" من خلال رحلة تذوق النص لدى حزامة حبايب. بهذا نلاحظ أن الثيمة الإنسانية أو الذات الجمعية لدى حزامة حبايب هي من الثيمات الرئيسية في العديد من أعمالها الأدبية.

سنحاول تناول قصة "حلم واقعي ... إلا قليلا" من مجموعة "ليل أحلى" حيث يستطيع القارئ الوصول إلى ثيمة القصة بيسر وسهولة وهي قضية الفقر وآثاره التي يلحقها بحياة البشر لتصور القاصة الجوانب الاجتماعية لهذه الآفة، فتغدو هذه القصة أشبه ما تكون بمرافقة قانونية تدافع فيها قاصتنا عن حق الإنسان في العيش الكريم بيد أن محاميتنا تجد نفسها وحيدة في ساحة المحكمة الخالية من الناس والقضاة على حد سواء، وهذا ما يعلل الاستسلام السردي بانصياع الشخصيات للتعايش مع الوضع السائد من دون أدنى محاولة للمقاومة والتمسك بالحياة. فحتى الحلم لديها يضيق بمساحاته ويغشل فيفقد السحر الذي تتم به الأحلام وتتحول غرائبية الحدث في الحلم إلى حدث اعتيادي منطقي وواقعي في حلمها لتصور هذه القصة درجة المأسواية ولتمس جابنا من جوانب حياتنا ... نحن البشر.

وتسجل حزاما هذا الامتزاج بين الحلم والواقع ضمن المساحة السردية للقصة، والواقع الذي تحياه الشخصيات هو ما يحفزها على استحضار أحلامها، بل واحتضانها أيضا. وتجيء مساحة الحلم رتيبة منطقية واقعية وحياتية مبتذلة كما لو أن هذا الواقع المرير الذي تحياه شخصيات القصة قد قرر مصادرة أحلامها وملاحقتهم حتى في الحلم لثقل هذا الهم الذي يطاردهم ليلا نهارا.

ونجد ذلك بشكل صريح من خلال كلمات الشخصية الرئيسية (صاحب الحلم)، وهو الرجل الذي يكابد مع زوجته تلك المعاناة "رأيتني في المنام أسير في شارع فرعي ... والحق أن الشارع لم يكن كشارع المنامات المعهودة، إذ يفترض في الشارع الذي ترتاده في الحلم أن يكون غريبا ومختلفا عن الشوارع التي ترتادها في الصحو، أي في الحياة الحقيقية ... لكن الشارع الذي رأيتني أسير فيه في المنام كان شارعا عاديا، عادينا بصورة مبتذلة. كان شديد الشبه بالشوراع الواقعية التي نقطن فيها ... كان مألوفا جدا ... حياني صاحب الدكان الذي تطابقت سحنته الواهنة والمهرئة مع سحن سابقة اختزنتها ذاكرتي ... البيوت الواطئة المتلازة التي كحلت جانبيه أعرفها ... والأطفال أشباه العراة الذين استغلو البركة التي تشكلت حول الماسورة للاستحمام ... ولعل الحقيقة بأن أحداث الحلم كانت تسير بصورة منطقية، ووفق نمط تدريجي مألوف بالنسبة لي ساهمت أكثر فأكثر في إذابة الخط الواهي بين القناعتين: قناعة الحلم وقناعة الحقيقة ... كانت معالم الأشياء مكتملة وأصواتها كانت مسموعة، وأصحابها وردوا إلى في منامي حقيقيين ... حقيقيين تماما. كل شيء كان يسير بسلاسة واقعية ... كان وجهها مألوفا ... الخ ... "

ونجد القاصة أيضا مثقلة بالهم الإنساني المتمثل بمعاناة البشر في كل زمان ومكان نتيجة عوامل عديدة ومنها الفقر والتي تختلف مسبباته، ومنها غياب العدالة الاجتماعية وسقوط الإنسان ضحية سيطرة وتحكم المادية في حياته وتأثيرها السلبي، وغيره الكثير مما لا يتسع مجال لذكره هنا.

فتصور القصة الحياة الشعبية بعفويتها وبساطة اشخاصها ذوي السحن المهترئة "ومشيت ابتسمت لناس، وناس ابتسموا لي. ومعظمهم ناس أعرفهم أو عرفتهم، ناس أطلوا داخل رأسي معشقين بوجود يومي متكرر وروائح دارجة، رائحة خليط الليمون والملح والكمون التي تفوح فوق عربة الفول والبليلة لبائع أربعيني يشير لي بضمة بقدونس مرحبا ... داريت لقيتي بسرعة مخافة أن يلحظني أحدهم، وطويتها في جيب البنطال الكالح ثم تحسست الانتفاخ المثني بحبور واطمئنان ... دثرت قدمي بجورب ... ثم أودعتهما في بسطار عتيق تكاثرت مساحاته وشقوقه فبات الماء يرشح خلالها بسهولة ... ".

أما آلية السرد القصصي فهي في مجملها عملية استحضار من الماضي " Flashback" سواء أكانت مساحة الحلم أو مساحة السرد الواقعي التي تبدأ لحظة استيقاظ الرجل من الحلم بإيقاظ زوجته له. فيكون حال الراوي (وهو الرجل) كحال الحكواتي الذي يجلس فوق كرسيه ويباشر استرجاع الأحداث من الماضي ليسردها في الحاضر أو الزمن السردي الآني المتمثل بقراءة النص من قبل القارئ فتتزامن عملية السرد مع عملية القراءة. أما المساحة الزمنية لحدث الحلم فهي تسبق المساحة الزمنية للحدث الواقعي الذي يقع ما بعد الحلم (أي ما بعد استيقاظ الرجل). فعملية استرجاع الحلم وعملية استرجاع الواقع يتمان بشكل متزامن مع عملية السرد ومن جهة أخرى مع عملية القراءة. ومما سبق، نلاحظ أن بتوظيف القاصة لثيمة إنسانية وإظهار الذات الجمعية وهي ذات القارئ عوضا عن ذات القاصة كإمرأة وابتعادها عن الثيمة ذات الطابع النسوي، وتوظيف شخصية ذكورية لتغدو الشخصية الرئيسية في العمل، نجد أن القاصة تسجل خروجا من نطاق دائرة الكتابة ذات الطابع النسوي ضمن المساحات السردية للقصة المتناولة.

نورس بلا مجثم ... انهكه التجوال المتوحد الحزين ... و أتعبه الطيران

الصين

Email: meyouandearth2006***********

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير