يقول كبير المستعربين الأوربيين في القرن السايع عشر ألبيرت شخولتنس مقارناً حالة الشاعر العربي الجيدة بحالة الشاعر الغربي التعيسة: "إن الكرم العربي يحول دون شقاء الشاعر". ويرد شخولتنز تفوق العرب في الشعر على سائر الأمم إلى غنى اللغة العربية وموسيقاها العذبة. يقول في إحدى خطبه: "لا بد من أخذ غنى اللغة العربية الفاحش بعين الحسبان [عند مقارنة الشعر العربي بغيره] ". *ويورد شخولتنس ـ الذي كان يعجب بالمعاني أكثر من إعجابه بالألفاظ ـ أدلة كثيرة على تفوق الشعر العربي على الشعر الأوربي القديم منه والحديث، منها هذان البيتان لشبل الدولة مقاتل بن عطية، رثى فيهما الوزير نظام الملك (توفي سنة 1094):
كان الوزير نظام الملك جوهرةً ***** مكوّنةً صاغها الباري من النطفِ
جاءت فلم تعرف الأيام قيمتها ***** فردها غيرة منه إلى الصدف
وترجمهما إلى الهولندية كما يلي **:
Hij was eene kostelijke parel,
door de Godheid zelve uit zijn schelp genomen, en op de wereld neergezet.
Hij blonk onder de menschen,
doch deze waren ongevoelig voor zijnen luister.
Daarom benijdde God dien schat aan ’t menschdom,
haalde hem terug, en plaatste hem wederom in zijn schelp.
أما المستعرب الهولندي الكبير ولميت صاحب المعجم العربي اللاتيني الشهير ... فيقول في محاضرة بعنوان "ذوق العرب الجمالي ( De sensu pulcri Arabum)"، وبالأخص عند حديثه عن أبي العلاء المعري: "انظر ما أروع العرب، وما أعظم عبقريتهم"! **** وكان ولميت يرد في خطبته هذه على أحد النقاد الأدبيين (من غير المستعربين) ـ وهو الناقد وايرز ـ الذي كتب سنة 1845 قائلاً: "إن من يبحث عن شعر رفيع عند العرب شخص يضيع وقته فيما هو غير مفيد"! *****
وشهادات حكماء الأمم الشرقية والغربية بتفوق العرب في الشعر كثيرة، ولكني سأكتفي بالإشارة إلى أمرين اثنين: الأول أن بحور الشعر العربية أكثر بحور الشعر كماً وأرقاها نوعاً (لدى اليونان ستة فقيرة فقط)، والثاني أن معظم الشعوب التي احتكت بالعرب، ومنها الفرس والأتراك والهنود والسريان والأكراد واليهود استعاروا بحور الشعر العربية ونسجوا على منوالها. وهذا لا يكون عبثاً!
وليس عند الساميين شعر موزون أو بحور شعر والعرب هم الاستثناء الوحيد. أجل، هنالك كتاب المزامير وكتاب نشيد الإنشاد عند اليهود، وهما كتابان يحتويان على عناصر غنائية كثيرة ولكن مضمونهما ليس شعراً. وقيمة كتاب العهد القديم الأدبية هي في بساطته وفي عفوية لغته وليس في صنعته الأدبية. والشعر أصلاً كان محرماً على اليهود، ولم يسمح لهم إلا بقرض الترنيمات الدينية التي كان شعراؤهم الدينيون "البيتانيم" يقرضونها للغناء في الكنيس. وأول ما قرض اليهود شعراً حقاً في العبرية تناولوا فيه المواضيع الدنيوية العامة كان في القرن التاسع الميلادي، عندما استعار الشاعر اليهودي المستعرب دوناش بن لابراط بحور الشعر العربية وأدخلها في العبرية فازدهر الشعر العبري وبلغ أوجه في الأندلس. ومن كبار شعراء هذه المدرسة: يهودا اللاوي المكنى بأبي الحسن (صاحب "كتاب الحجة والدليل في نصر الدين الذليل" المشهور بكتاب الخُزَري)، واسماعيل بن النغريلة الذي استوزره حبوس أحد ملوك الطوائف (إليه ينسب نقد للقرآن الكريم رد عليه ابن حزم الأندلسي في كتاب الفصل وفي رسالة "الرد على ابن النغريلة اليهودي")؛ وتادروس أبوالعافية، وإبراهيم بن عزرا، وسليمان بن جبيرول وغيرهم.
وفي هذا السياق يقول الأديب اليهودي الكبير يهودا الحريزي (صاحب المقامات العبرية المشهورة بـ: "تَحْكِمُوني"، التي حاكى فيها الهمذاني في مقاماته) في هذا المجال: ??? ?? ???? ????? ... ??? ????? ???? ??? ?????. "اعلموا أن الشعر العجيب كان منذ البداية مُلكاً للعرب"! ويقول عن أشعار الأمم الأخرى ما يلي: ?? ?????? ???? ???? ????????? ?? ???? ??? ?????? "إن أشعارهم ليست بشيء مقارنة بأشعار الإسماعيليين [= العرب] "! ولخص "جاحظ اليهود" موسى بن عزرا (القرن الخامس الهجري، وهو شاعر مجيد) في "كتاب المحاضرة والمذاكرة" (كتاب في الأدب العبري) الأمر كما يلي: "الشعر عند بني إسماعيل [= العرب] طبعٌ، وعند سائر الأمم تطبع"!
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإحالات:
* في الأصل Attendo porro ad incredibilem Arabicae Linguae copiam ….
** المصدر: J.C. Wenckebach (ed.), Drie redevoeringen van Hendrik Albert Schultens. Leeuwarden, 1845. " ثلاث خطب لألبيرت شخولتنس. ليواردين (هولندة) 1845". صفحة 27.
... الذي صدر في لايدن (هولندة) سنة 1784 وهو من أهم المعاجم الثنائية على الإطلاق.
**** في الأصل Tanta est Ingenii! Tanta Phantasiae Arabum.
***** في الأصل Qui vero poëtas Arabum propter isporum praestantia legat, si non sensu carere, certe otio suo abuti videtut.[/size
شكرا لك أستاذي
إذن فلا إنفراد للعربية بالوزن ولا جودة لغيرها فيه ط
هل ننشر الحلقة الثالثة؟