و يروى عن الاصمعى كلام معناه أن الشعر باب من أبواب ا لباطل، فإذا أُريد به غير وجهه
ضَعُفَ، وقد وجدنا الشعراء توصلوا الي تحسين المنطق بالكذب و هو من القبائح و زينوا
ما نظموه بالغزل و صفة النساء و نعوت الخيل و الإبل و أوصاف الخمر و تسببوا الي الجزالة
بذكر الحرب و احتلبوا أخلاف الفكر و هم أهل مقام و خفض في معنى ما يدَّعون أنهم يعانون
من حث الركائب و قطع المفاوز و مراس الشقاء ».
فإذا كان أبو العلاء رفض الشعر لانه كاذب (أعذب الشعر أكذبه) و هو يكتب الصدق،
ليفضح أمور الدنيا ... التي يظن البعض أنه زهد فيها ....
فنحن نرى أن أبا العلاء صال و جال في روضة الشعر، لكنه تَوَجَ ورود الروضة بأكاليل
من الشوكِ، حتى إذا أردتَ الوردة، فلك أن تنزع إكليل الشوك عنها، و لك أن تجتهد في نزعه
والا تبقيه على حالته و إلا إستحالت عليك الورود، التي أرادها أبو العلاء أن تكون متفتحة دائما.
فأبي العلاء نجح في إعطائنا صورة حية عن الدنيا و عن الإنسان، و إن كان ظالماً بعض الشيء
للدنيا، فلكراهيته لها و حقده عليها، لأنها سلبته بصره و صاغت له منظاراً أَسوداً
يطل به علي كل ما يراه .. حتي أنه لم يستطع أن يتبين النهار، فهو يقول في لزومية أخرى:
غدونا سائرين على وفاز صحاة مثل شراب ثما ل
على الفرسين لا فرسي رهان أو الجملين ليس كالجما ل
و ما غضبي إذا جرت القضايا بتفضيل اليمين علي الشما ل
فلا يعجب بصورته جميل فإن ا لقبح يُطوى كالجما ل
كذاك الدهر إظلام و صبح و ريح من جنوب أو شما ل
بلا مال عن الد نيا رحيلي و صعلوكاً خرجت بغير ما ل
فآه لو أبصر أبو العلاء النهار، أو أدرك أنه قبيح، لكان طوى قُبحه و أراح نفسه و لكان رحل
من الدنيا و هو يمتلكها كلها.
نشر هذا المقال النقدى في جريدة الاتحاد (الإمارات العربية المتحدة) بالعدد رقم 169 الأحد 14 مايو 1989 - الموافق 9 شوال 1409 ه.
ـ[وضحاء .. ]ــــــــ[24 - 12 - 2006, 11:58 م]ـ
دراسة أكثر من رائعة .. تنوع فيه التحليل من لغوي لبياني إلى مناقشة في بعض الجزئيات.
سلمت يمينك، وبانتظار دراسات أخرى.