تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و في البيتين التاليين يقدم لنا أبو العلاء صفعة أخرى يُوجهها الي هؤلاء الأمراء، و الي إنسان الدنيا

فيذكره بفضل الله عليه في تسكينه تعالي للأرض، و رفعه للسماء من فوقها، و وضعه للشمس

في كبدها، و توهجها لتنير الأرض ... و بالرغم من كل تلك العلامات، فالانسان

لم يكف عن بلاهته و بلائه، فيشبهه بالجياد السوداء اللون التي تعيش في أمان

مع مثيلاتها الغراء (التي في جبهتها بياض) لكن الإنسان غير الجياد.

و ينتقل بعد ذلك الي الدنيا، وهو هنا يشبهها بعروس في ثوب زفافها لكنها دنسة، و بالرغم

من دناستها فالانسان يرغبها و يريدها، لكنها لم تقترب منه بعد بالرغم تعبه و بحثه

عنها، فالفقهاء تجادلوا من أجلها، كما أ ن النساك تعبدوا لها أيضاً.

و يختتم أبو العلاء اللزومية بحكمة قائلاً: إذا حاولت أن تقهر النفس و تمنعها عن شيء

هي ولعة به، ففي هذا الزجر و النهي إغراءاً و ليس زجراً، وهذا الشيء هو الدنيا.

والأفعال الناقلة للرسالة في هذه اللزومية تختص بقضيتين:

الأولي وهي الإنسان و الثانية وهي الدنيا.

و الإنسان الذى تعالجه هنا هو الإنسان السلبي الذى يتمثل في صورة الأمراء الذين أمروا بغير صلاح أُمتهم و ظلموا الرعية، وإستجازوا كيدها و تركوا مصالحها، و هم أيضاً لا يقتنون خيراً.

والدنيا عند أبو العلاء دنسة من كثرة عبث الإنسان فهى تارة طامثا و أخرى طاهرة، فهي هُوَيت

كثيراً من قِبَل الإنسان، حتى انه دُفن ولم يعرف أطاوعته أم لا.

و لنقف عند تشبيهين أحدهما يختص بالإنسان السلبي، و الآخر يختص بالدنيا أيضاً.

أما التشبيه الأول فنقرؤه في البيت التالي:

كَريَت فسَرت بالكرى و حياتُها أَكرَت فجرَّ نَواَئباً إكرَؤُها

فالكرى الأول و الثاني ... هو النوم – كريت فسرت بالكرى.

أما أكرت ... هو النقصان - أكرت فجرَّ نوائباً إكراؤها.

فأبي العلاء أجاد رغم جناسه هذا في تصوير النوم، وكيف يسرق من حياة البشر.

و التشبيه الثاني نقرؤه في البيت التالي:

ووجدتُ دنيانا تُشابه طامِثاً لا تستقيمُ لناكحٍ أقْراؤُها

فأبي العلاء خبير بكل أحوال الدنيا، و خبير أيضاً بخبايا المرأة ...

لكن هذا التشبيه يقف كحائل لما به من الفاظ (طامث – ناكح – أقراؤها) و كلها ألفاظ سلبية.

و إن كانت كل هذه الألفاظ تنطبق علي الواقع العلمي، فأبي العلاء هنا لم يزهد في الدنيا،

بل أرادها، حتي انه في البيت التالي ذكر (هُويِتْ)، و إن كان هذا الفعل مبنيا للمجهول،

فالهواية تأتي من الإنسان، و الجدل صاحبه الإنسان أيضاً.

و إن كان أبو العلاء زهد في الدنيا، و زجرها ألم يقل هو في نهاية اللزومية:

و اذا زَجَرْتَ النفْسَ عن شغفٍ بها فكأَنَّ زجْرَ غويِهّا إِغراؤُها

أما شغف أبو العلاء بالدنيا فكان من كثرة معالجته لموضوعاتها و قضاياها التي الح عليها

في لزومياته، ا لتي فَرَقَ بينها و بين الشعر صراحة - الذى ينكره على نفسه -

و إن كنا لن نستطيع نحن أن ننكره عليه .... فهل هذا ينتفي من الشعر .... !!

عللاني فإن بيض الأماني فنيت، والظلام ليس بفان

ان تناسيتما وداد اناس فاجعلاني من بعض من تذكران

رب ليل، كأنه الصبح و الحسن و ان كان أسود الطيلسان

قد ركضنا فيه الي اللهو، لما وقف النجم وقفة الحيران

و هل هذا ينتفي من الشعر و روضته أيضاً

غير مجد في ملتي واعتقادي نوح باك ولا ترنم شاد

وشبيه صوت النعي إذا قيس بصوت البشير في كل ناد

أبكت تلكم الحمامة أم غنت على فرع غصنها المياد

إن حزنًا في ساعة الموت أضعاف سرور في ساعة الميلاد

..........................................

أما اذا كان أبو العلاء رفض الشعر كما يقول:

و قد كنت قلت في كلام ليَّ قديم أني رفضت الشعر رفض السقب غرسه و الرأ ل تريكته، »

و الغرض ما أستجيز فيه الكذب و أستعين على نُظامه بالشبهات، فأما الكائن عظة للسامع

و إيقاظاً للمتوسن و أمراً بالتحرز من الدنيا الخادعة، و أهلها الذين جُلِبوا على الغش و المكر،

فهو إن شاء الله مما يلتمس به الثواب، و أضيف الي ما سبق من الإعتذار أ ن من سلك في هذا

الاسلوب ضَعُفَ ما ينطق به من النظام لأنه يتوخى الصادقة و يطلب من الكلام البزة، و لذلك

ضَعُفَ كثير من شعر أُمية بن أبي الصلت ألثقفي، و من أخذ بفَرّيه من أهل الإسلام،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير