فيفيق.
قال: ولقيه في الطريق ابن مكحول عراف اليمامة، فرآه وجلس عنده؛ وسأله عما به؛ وهل هو خبل أو جنون؟ فقال له عروة: ألك عنده علم بالأوجاع؟
قال: نعم؛ فأنشأ يقول:
وما بي من خبل ولا بي جنة = ولكن عمي يا أخي كذوب
أقول لعراف اليمامة داوني = فإنك إن داويتني لطبيب
فوا كبدا أمست رفاتاً كأنما = يلذعها بالموقدات طبيب
عشية لا عفراء منك بعيدة = فتسلو ولا عفراء منك قريب
عشية لا خلفي مكر ولا الهوى = أمامي ولا يهوى هواي غريب
فوالله لا أنساك ما هبت الصبا = وما عقبتها في الرياح جنوب
وإني لتغشاني لذكراك هزة = لها بين جلدي والعظام دبيب
وقال أيضاً يخاطب صاحبيه الهلاليين بقصته:
خليلي من عليا هلال بن عامر = بصنعاء عوجاء اليوم واتنظراني
ولا تزهدا في الذخر عندي وأجملا = فإنكما بي اليوم مبتليان
ألما على عفراء إنكما غداً = بوشك النوى والبين معترفان
فيا واشيا عفراء ويحكما بمن = وما وإلى من جئتما تشيان
بمن لو أراه عانياً لفديته = ومن لو رآني عانياً لفداني
متى تكشفان عني القميص تبينا = بي الضر من عفراء يا فتيان
إذن تريا لحماً قليلاً وأعظماً = بلين وقلباً دائم الخفقان
وقد تركتني لا أعي لمحدث = حديثاً وإن ناجيته ونجاني
جعلت لعراف اليمامة حكمه = وعراف حجر إن هما شفياني
فما تركا من حيلة يعرفانها = ولا شربة إلا وقد سقياني
ورشا على وجهي من الماء ساعة = وقاما مع الواد يبتدران
وقالا: شفاك الله والله مالنا = بما ضمنت منك الضلوع يدان
فويلي على عفراء ويلاً كأنه = على الصدر والأحشاء حد سنان
أحب ابنة العذري حباً وإن نأت = ودانيت فيها غير ما متداني
إذا رام قلبي هجرها حال دونه=شفيعان من قلبي لها جدلان
إذا قلت: لا، قالا: بلى، ثم أصبحا=جميعاً على الرأي الذي يريان
تحملت من عفراء ما ليس لي به=ولا للجبال الراسيات يدان
فيا رب أنت المستعان على الذي=تحملت من عفراء منذ زمان
كأن قطاة علقت بجناحها=على كبدي من شدة الخفقان
قال: فلم يزل في طريقه حتى مات قبل أن يصل إلى حيه بثلاث ليال، وبلغ عفراء خبر وفاته، فجزعت جزعاً شديداً، وقالت ترثيه:
ألا أيها الركب المخبون ويحكم=بحق نعيتم عروة بن حزام
فلا تهنأ الفتيان بعدك لذة=ولا رجعوا من غيبة بسلام
وقل للحبالى: لا ترجين غائباً=ولا فرحات بعده بغلام
قال: ولم تزل تردد هذه الأبيات وتندبه بها، حتى ماتت بعده بأيام قلائل.
ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[17 - 02 - 2008, 11:41 م]ـ
افتقدتك أخي رسالة الغفران ما رأيك في القصة الأخيرة؟
ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[19 - 02 - 2008, 01:03 ص]ـ
قرأتها ملياً منذ مدة
لم يبرحني الحب كثيراً مثلما فعلت المروؤة والشهامة لدى زوج عفراء
وأغضبتني أم عفراء، الميالة للمال. كرهت النساء من أم عفراء:)
.
فوا كبدا أمست رفاتاً كأنما =يلذعها بالموقدات طبيب
إن كانت كبده أصبحت رفاتا، فإني أصبحت رفاتا بأجمعي.
ما هذا الحب!
ما هذا الإبداع!
لله در قلوبهم!
ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[20 - 02 - 2008, 01:50 م]ـ
قرأتها ملياً منذ مدة
لم يبرحني الحب كثيراً مثلما فعلت المروؤة والشهامة لدى زوج عفراء
وأغضبتني أم عفراء، الميالة للمال. كرهت النساء من أم عفراء:)
.
فوا كبدا أمست رفاتاً كأنما =يلذعها بالموقدات طبيب
إن كانت كبده أصبحت رفاتا، فإني أصبحت رفاتا بأجمعي.
ما هذا الحب!
ما هذا الإبداع!
لله در قلوبهم!
لا حُرمنا من ردودك الجذابة، لكن ليس كل النساء أم عفراء.
ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[25 - 04 - 2008, 10:31 ص]ـ
ذكر أبو المختار عن محمد بن قيس العبدي قال: إني لبالمزدلفة بين النائم واليقظان، إذ سمعت بكاءً متتابعاً ونفساً عالياً، فاتبعت الصوت، فإذا أنا بجارية كأنها الشمس حسناً، ومعها عجوز، فلطئت بالأرض لأنظر إليها وأمتع عيني بحسنها، فسمعتها تقول:
دعوتك يا مولاي سراً وجهرةً = دعاء ضعيف القلب عن محمل الحب
بليت بقاسي القلب لا يعرف الهوى = وأقتل خلق الله للهائم الصب
فإن كنت لم تقض المودة بيننا = فلا تخل من حب له أبداً قلبي
رضيت بهذا في الحياة، فإن أمت = فحسبي ثواباً في المعاد به حسبي
وجعلت تردد هذه الأبيات، وتبكي، فقمت إليها، فقلت: بنفسي أنت، مع هذا الوجه يمتنع عليك من تريدينه؟ قالت: نعم، والله، وفي قلبه أكثر مما في قلبي، فقلت: إلى كم هذا البكاء؟ قالت: أبداً أو يصير الدمع دماً وتتلف نفسي غماً. فقلت لها: إن هذه لآخر ليلةٍ من ليالي الحج، فلو سألت الله التوبة مما أنت فيه، رجوت أن يذهب حبه من قلبك. فقالت: يا هذا! عليك بنفسك في طلب رغبتك، فإني قد قدمت رغبتي إلى من ليس يجهل بغيتي. وحولت وجهها عني، وأقبلت على بكائها وشعرها، ولم يعمل فيها قولي وعظتي.
ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[25 - 04 - 2008, 09:12 م]ـ
وأخيرا عاد موضوعي المحبب ...
ولكن للأسف لم تمت تلك المرأه، ليتها ماتت حتى تكون القصة أكثر تشويقاً
دمت بارعا أيها الليث
¥