تفت فؤادك الأيام فتّا للألبيري
ـ[محمد ينبع الغامدي]ــــــــ[13 - 01 - 2008, 09:01 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أهدي لكم هذه القصيدة الرائعة لأحد الشعراء الأندلسيين لأبي إسحاق الألبيري
تفت ُ فؤادك الأيام فتَّا وتنحت جسمك الساعات نحتا
وتدعوك المنون دعاء صدق ألا ياصاح أنت أريد أنتا
أراك تحب عرساً ذات مالٍ أبتَّ طلاقها الأكياس بتَّا
تنام الدهر ويحك في غطيطٍ بها حتى إذا متَّ انتبهتا
فكم ذا أنت مخدوع وحتى متى لاترعوي عنها وحتى
أبا بكر دعوتك لو أجبتا إلى مافيه حظك إن عقلتا
إلى علم تكون به إماماً مطاعاً إن أمرت وإن نهيتا
ويجلو ما بعينك من عشاها ويهديك السبيل إذا ضللتا
وتحمل منه في ناديك تاجاَ ويكسوك الجمال إذا اعتريتا
ينالك نفعه مادمت حياً ويبقى ذخره لك إن ذهبتا
هو العضب المهند ليس ينبو تصيب به المقاتل إن ضربتا
وكنز لا تخاف عليه لصاً خفيف الحمل يوجد حيث كنتا
يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددتا
فلو قد ذقت من حلواه طعماً لآثرت التعلم واجتهدتا
ولم يشغلك عنه هوى مطاع ولا دنيا بزخرفها فتنتا
ولا ألهاك عنه أنيق روض ولا خدر بربربه كُلِفتا
فقوت الروح أرواح المعاني وليس بأن طعمت وإن شربتا
فواظبه وخذ بالجد فيه فإن أعطى الإله قد انتفعتا
وإن أوتيت فيه طول باع وقال الناس أنك قد سبقتا
فلا تأمن سؤال الله عنه بتوبيخ علمت فهل عملتا
فرأس العلم تقوى الله حقا وليس بأن يقال لقد رأستا
وأحسن ثوبك الإحسان لا أن تُرى ثوب الإساءة قد لبستا
إذا مالم يفدك العلم خيراً فخير منه أن لو قد جهلتا
وإن ألقاك فهمك في مهاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا
ستجني من ثمار العجز جهلاً وتصغر في العيون وإن كبرتا
وتفقد إن جهلت وأنت باقٍ وتوجد إن علمت وقد فُقدتا
وتذكر قولتي لك بعد حينٍ وتغبطها إذا عنها شُغلتا
وسف تعض من ندم عليها وما تغني الندامة إن ندمتا
إذا أبصرت صحبك في سماءٍ قد ارتفعوا عليك وقد سفلتا
فراجعها ودع عنك الهوينا فما بالبطء تدرك ما أردتا
ولا تحفل بمالك والْهُ عنه فليس المال إلا ما علمتا
وليس لجاهل في الناس معنى ولو مُلْك العراق له تَأتَّى
سينطق عنك علمك في نَديٍّ ويكتب عنك يوماَ إن كتبتا
وما يغنيك تشييد المباني إذا بالجهل نفسك قد هدمتا
جعلت المال فوق العلم جهلاً لعمرك في القضية ما عدلتا
وبينهما بنص الوحي بَونٌ ستعلمه إذا (طه) قرأتا
لئن رفع الغني لواء مالٍ لأنت لواء علمك قد رفعتا
وإن جلس الغني على الحشايا لأنت على الكواكب قد جلستا
وإن ركب الجيادَ مسوّماتٍ لأنت مناهجَ التقوى ركبتا
ومهما افتض أبكارَ الغواني فكم بِكرٍ من الحكم افتضضتا
وليس يضرك الاقتار شيئاً إذا ما أنت ربك قد عرفتا
فماذا عنده لك من جميل إذا بفِناء طاعته أنختا
فقابل بالقبول صحيح نصحي فإن أعرضت عنه فقد خسرتا
و إن راعيته قولاً وفعلاً وتاجرت الإله فقد ربحتا
فليست هذه الدنيا بشيء تسوؤك حقبة وتسر وقتا
وغايتها إذا فكرت فيها كفيئك أو كحلمك إن حلمتا
سُجنت بها وأنت لها محبٌ فكيف تحب ما فيه سُجنتا
وتطعمك الطعام وعن قريب ستطعم منك ما منها طعمتا
وتعرى إن لبست بها ثياباً وتكسى إن ملا بسها خلعتا
وتشهد كل يوم دفن خَلًّ كأنك لا تراد بما شهدتا
ولم تُخلق لتعمرها ولكن لتعبرها فجِدَّ لما خُلقتا
وإن هُدمتْ فزدها أنت هدماً وشيّد أمر دينك ما استطعتا
ولا تحزن على ما فات فيها إذا ما أنت في أُخراك فزتا
فليس بنافع ما نلت منها من الفاني إذا الباقي حُرمتا
والحمد لله أولا وآخرا
ـ[أبو طارق]ــــــــ[13 - 01 - 2008, 09:28 م]ـ
سلمت أناملك جزاء نقلك المتميز أخي محمد
ـ[أم خالد أروى]ــــــــ[28 - 10 - 2008, 05:38 م]ـ
بوركت أخي على هذا النقل
لكن هل من سيرة لهذا الامام رحمه الله ومناسبة هذه المنظومة
ـ[محمد ينبع الغامدي]ــــــــ[28 - 10 - 2008, 07:02 م]ـ
وهو إبراهيم بن مسعود بن سعد التجيبي الألبيري، ويكنى بأبو أسحاق وأصله من أهل حصن العقاب، ولد عام 375هـ، الموافق عام 985م، وكان أديبا معروفا وشاعرا مشهورا في أهل غرناطة بالأندلس، ولقد أختلف مع ملك غرناطة وأنكر عليه إتخاذه وزيرا من اليهود أسمه ابن نغزلة. فنفاه الملك إلى ألبيرا، فألف إبراهيم أبو إسحاق في منفاه قصيدة أدت لثورة أهل صنهاجة على الوزير اليهودي فقتلوه، ومطلعها (ألا قل لصنهاجة أجمعين). وله أكثر من أربعين قصيدة، وكان شعره يتناول الحكم والمواعظ، وأشهر قصائده قصيدته التي أثارت أهل صنهاجة، على ابن نغزلة اليهودي. وتوفي أبو أسحاق في عام 460هـ، الموافق عام 1068م.
ومن شعره:ـ
أتيتك راجيا يا ذا الجلال .... ففرج ما ترى من سوء حالي
عصيتك سيدي ويلي بجهلي .... وعيب الذنب لم يخطر ببالي
إلى من يشتكي المملوك إلا .... إلى مولاه يامولى الموالي
لعمري ليت أمي لم تلدني .... ولم أغضبك في ظلم الليالي
فها أنا عبدك العاصي فقير ... إلى رحماك فأقبل لي سؤالي
فإن عاقبت ياربي تعاقب .... محقا بالعذاب وبالنكال
وإن تعفو فعفوك قد أراني ... لأفعالي وأوزاري الثقال
ومن شعره قصيدته السابقة الفريدة في ذكر العلم وفضله والحث عليه، قالها في نصح ابن له، وقد حوت بدائع الحكم والوصايا التي يحتاجها طالب العلم.