[يا قدس!!]
ـ[صاحبة القلم]ــــــــ[31 - 01 - 2008, 08:47 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يا قدس .. للشاعر عبد الرحمن العشماوي.
ما كلُّ مَنْ نطقوا الحروفَ أبانوا **** فلقد يَذوبُ بما يقولُ لسانُ
لغة الوفاءِ شريفةٌ كلماتُها **** فيها عن الحبِّ الأصيلِ بَيانُ
يسمو بها صدقُ الشعور إلى الذُّرا **** ويزُفُّ عِطْرَ حروفها الوجدانُ
لغةٌ تَرَقْرَقَ في النفوس جمالُها **** وتألَّقتْ بجلالها الأَذهانُ
يجري بها شعري إليكم مثلما **** يجري إلى المتفضِّل العِرْفانُ
لغةُ الوفاء، ومَنْ يجيد حروفَها **** إلا الخبير الحاذق الفنَّانُ؟
أرسلتُها شعراً يُحاط بموكبٍ **** من لهفتي، وتزفُّه الألحانُ
ويزفُّه صدقُ الشعور وإِنَّما **** بالصدق يرفع نفسَه الإِنسانُ
أرسلتُ شعري والسَّفينةُ لم تزلْ **** في البحر، حار بأمرها الرُّبَّانُ
والقدس أرملةٌ يلفِّعها الأسى **** وتُميت بهجةَ قلبها الأحزانُ
شلاَّلُ أَدْمُعِها على دفَقاته **** ثار البخار فغامت الأَجفانُ
حسناءُ صبَّحها العدوُّ بمدفعٍ **** تَهوي على طلقاته الأركانُ
أَدْمَى مَحاجرها الرَّصاص ولم تزلْ **** شمَّاءَ ضاق بصبرها العُدوانُ
لْقَى إليها السَّامريُّ بعجله **** وبذاتِ أَنواطٍ زَهَا الشَّيْطَانُ
نَسي المكابرُ أنَّ عِجْلَ ضلالِه **** سيذوب حين َتَمُّسه النيرانُ
حسناءُ، داهمَها الشِّتاءُ، ودارُها **** مهدومةٌ، ورضيعُها عُريانُ
وضَجيج غاراتِ العدوِّ يَزيدها **** فَزَعاً تَضَاعف عنده الَخَفقانُ
بالأمسِ ودَّعها ابنُها وحَليلُها **** وابنُ اْختها وصديقُه حسَّانُ
واليوم صبَّحتِ المدافعُ حَيَّها **** بلهيبها، فتفرَّق الجيرانُ
باتت بلا زوجٍ ولا إِبنٍ ولا **** جارٍ يَصون جوارَها ويُصَانُ
يا ويحَها مَلَكتْ كنوزاً جَمَّة **** وتَبيت يعصر قلبَها الِحرْمانُ
تَستطعم الجارَ الفقيرَ عشاءَها **** ومتى سيُطعم غيرَه الُجوْعَانُ
صارتْ محطَّمةَ الرَّجاء، وإنَّما **** برجائه يتقوَّت الإِنسانُ
يا قدسُ يا حسناءُ طال فراقُنا **** وتلاعبتْ بقلوبنا الأَشجانُ
من أين نأتي، والحواجزُ بيننا: **** ضَعْفٌ وفُرْقَةُ أُمَّةٍ وهَوانُ؟
من أين نأتي، والعدوُّ بخيله **** وبرَجْلهِ، متحفِّزٌ يَقْظَانُ؟
ويَدُ العُروبةِ رَجْفَةٌ ممدودةٌ **** للمعتدي وإشارةٌ وبَنانُ؟
ودُعاةُ كلِّ تقُّدمٍ قد أصبحوا **** متأخرين، ثيابُهم أَدْرَانُ
متحدِّثون يُثَرْثِرُون أشدُّهم **** وعياً صريعٌ للهوى حَيْرانُ
رفعوا شعارَ تقدُّمٍ، ودليلُهم **** لِينينُ أو مِيشيلُ أو كاهانُ
ومن التقدُّم ما يكون تخلُّفاً **** لمَّا يكون شعارَه العصيانُ
أين الذين تلثَّموا بوعودهم **** أين الذين تودَّدوا وأَلانوا؟
لما تزاحمت الحوائجُ أصبحوا **** كرؤى السَّراب تضمَّها القيعانُ
كرؤى السَّرابِ، فما يؤمِّل تائهٌ **** منها، وماذا يطلب الظمآنُ؟
يا قدس، وانتفض الخليلُ وغَزَّةٌ **** والضِّفتان وتاقت الجولانُ
وتلفَّت الأقصى، وفي نظراته **** أَلَمٌ وفي ساحاته غَلَيانُ
يا قُدس، وانبهر النِّداءُ ولم يزلْ **** للجرح فيها جَذْوةٌ ودُخانُ
يا قدس، وانكسرتْ على أهدابها **** نَظَراتُها وتراخت الأَجفانُ
يا قُُدْسُ، وانحسر اللِّثام فلاحَ لي **** قمرٌ يدنِّس وجهَه استيطانُ
ورأيتُ طوفانَ الأسى يجتاحُها **** ولقد يكون من الأسى الطوفانُ
كادت تفارق مَنْ تحبُّ ويختفي **** عن ناظريها العطف والتَّحنانُ
لولا نَسائمُ من عطاءِ أحبَّةٍ **** رسموا الوفاءَ ببذلهم وأعانوا
سَعِدَتْ بما بذلوا، وفوقَ لسانها **** نَبَتَ الدُّعاءُ وأَوْرَقَ الشُّكرانُ
لكأنني بالقدس تسأل نفسَها **** من أين هذا الهاطلُ الَهتَّانُ؟
من أين هذا البذلُ، ما هذا النَّدى **** يَهمي عليَّ، ومَنْ هُم الأَعوانُ؟
هذا سؤال القدس وهي جريحةٌ **** تشكو، فكيف نُجيب يا سَلْمانُ؟
ستقول، أو سأقول، ما هذا الندى **** إلاَّ عطاءٌ ساقه المَنَّانُ
هذا النَّدى، بَذْلُ الذين قلوبُهم **** بوفائها وحنانها تَزْدَانُ
أبناءُ هذي الأرض فيها أَشرقتْ **** حِقَبُ الزمان، وأُنزِل القرآنُ
صنعوا وشاح المجد من إِيمانهم **** نعم الوشاحُ ونِعْمَتِ الأَلوانُ
وتشرَّف التاريخ حين سَمَتْ به **** أخبارُهم، وتوالت الأَزمانُ
¥