تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[لماذا الطلل؟]

ـ[أم هشام]ــــــــ[28 - 01 - 2008, 07:16 م]ـ

بنية المطالع في المعلقات: لماذا الطلل؟

لقد علّل ابن قتيبة نقلاً عن بعض معاصريه أنّ "مُقصِّدَ القصيد إنما ابتدأ فيها بذكر الديار والدمن والآثار: فبكى وشكا، وخاطب الربع، واستوقف الرفيق؛ ليجعل ذلك سبباً لذكر أهلها الظاعنين عنها؛ إذ كان نازلة العمد في الحلول والظعن، على خلاف ما عليه نازلة المدر من انتقالهم من ماء إلى ماء، وانتجاعهم الكلأ، وتتبعهم مساقط الغيث حيث كان، ثمّ وصل ذلك بالنسيب ( ... ) ليُمِيلَ نحوه القلوب، ويصرف إليه الوجوه" ().

وإذاً، فقد نَبَّه النقاد القدماء لعلة ابتداء مقصِّدِي القصائدِ بذكر الديار، ووصف الدمن، والوقوف على الربوع يبكون لديها، ويشكون من تَحّمُّل أهلها عنها، ومزايلة الأحبة إياها فيذكرون الأيام الخوالي، والأزمان المواضي؛ وما كانوا نَعِموا به فيها من اللحظات السعيدات، مع الحبيبات الوامقات: إما بالنظرات والرنوات، وإما بتبادل أسقاط الحديث، وأما بنيل أكثر من ذلك منهنّ ... يذكرون كلّ ذلك فتذرف منهم العيون تذرافاً، وتهيم بهم الصبابة، وترتعش في أعماقهم العواطف، وتلتعج في قلوبهم المشاعر، فينهال عليهم الشعر الجميل انهيالاً، كما تنهال من أعينهم الدموع الغزار حتى تبلّ محامِلَهم.

وكان هذا الدّيْدُن جِبِلّةً في ذلك المجتمع البدويّ الذي لم يك نظامه ينهض على الاستقرار كما كان ذلك مفترضاً في الحواضر العربية مثل مكة، ويثرب، وصنعاء، والحيرة ... ، وإنما كان ينهض على نظام التظعان: انتجاعاً للكلأ، والتماساً لمدافِع الماء، وارتشافاً لمنابعها، وارتواء بما في غدرانها؛ فكان المقام لا يكاد يستقرّ بهم قرارُه. وعلى الرغم من أنّ تلك المقامات التي كانت تقع لهم على عيون الماء وغدران الأمطار لا دَيَّارَ يعرفُ مُدَدَ أزمنتها؛ فإننا نفترض، مع ذلك، أنها كانت لا تزيد عن الشهرين والثلاثة. وعلى قِصَر هذه المدد التي كانت تُقَضَّى بتلك الغدران والمراعي المُمْرِعَةِ إلاّ أنها كانت مُجْزِئةً لاضطرام علاقات غرامية بين فتيات وفتيان ما أشدّ ما كانت قلوبهم تهفو للحبّ وتتعلقّ به. وغالباً ما كانت تلك العلاقات الغراميّة تقع بين أقاربَ وأهلِ عشيرة، لقيام تلك الحياة البدويّة المتنقلة على النظام القبلي أو العَشَريّ. وربما كانت تقع بين أجنبيّ عن القبيلة المتنقّلة بإحدى فتياتها .... وغالباً ما كان ذلك الحب يظلّ مكتوماً غير معلنٍ، وخفيَّاً غير ظاهرٍ؛ وإلاّ فهي المآسي للحبيبين الاثنين ... ذلك بأنّ العرب كانوا يُحرِّمون على مَن يحبُّ فتاة ويشتهر حبُّه إيّاها أن يُقْدِم على اختطابها من أهلها. وكانوا يعدُّون ذلك من الفضائح وملطّخات الشرف. وإنّا لا نحسب أنّ أولئك الشعراء كانوا يصفون الدِمَنَ والأطلال، وخصوصاً أوائلهم، لمجرد حبّ الوصف، وإمتاع المتلقين؛ وإنما كانوا يصّورون عواطفهم الجيّاشة، ويعبرون عن تجاربهم الحميمة من خلال أشعارهم. من أجل ذلك كثيراً ما كنا نُلْفيهم يذكرون أسماء المواضع التي يقع حوالها الطلل البالي الذي زايلته الحبيبة وتحمّلت عنه إلى سوائه من مُخْصِبات الأرض، ومُرْوِيَات الأودية.

ولكننا نحسب أنّ ذِكْر أسماء النساء الحبيبات (زهير: أمّ أوفى؛ لبيد: نوار؛ عنترة: أم الهيثم؛ الحارث بن حلزة: هند ..... ) في المعلقات خصوصاً لم يكن يعني أن تلك الأسماء كانت تنصرف حقاً إلى حبيبات الشعراء، وإلاّ رُبَّتما كانوا قُتِلُوا قتلاً وَحِيّاً، وفُتِكَ بهم فتكاً ذريعاً. وإنما هي، في تمثّلنا على الأقل، أسماءٌ رمزيّة لا تعني إلاّ سمةً دالة على نساء بدون تخصيص للنسب، ولا تدليل على الانتماء العائليّ الحقيقيّ؛ ففي كلّ قبيلة عربية كان يوجد عدد لا يحصى من النساء ممن كن يَتَكَنَّين أويَتَسمين أُمَّ أوفى، ونَواراً، وأمَّ الهيثم، وهِنْداً ...

مجلة اتحاد الكتاب العرب

ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[29 - 01 - 2008, 08:33 م]ـ

نقل جميل لطيف أختي الكريمة أم هشام .. جزيت خيراً على هذا التطواف بين الطلول.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير