تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[من الحب ما قتل]

ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[09 - 01 - 2008, 11:51 م]ـ

قال محمد بن قيس الأسديّ: وجّهني عامل المدينة إلى يزيد بن عبد الملك وهو خليفة فخرجت، فلما قربت المدينة بليلتين أو ثلاث وإذا أنا بامرأةٍ قاعدةٍ على قارعة الطريق، وإذا رجلٌ رأسه في حجرها كلّما سقط رأسه أسندته، فسلّمت فردّت ولم يردّ الشاب؛ ثم تأمّلتني فقالت: يا فتى، هل لك في أجرٍ لا مرزئة فيه؟ قلت: سبحان اللّه! وما أحبّ الأجر أليّ وإن رزئت فيه! فقالت: هذا ابني، وكان إلفاً لابنة عمّ له تربيّا جميعاً، ثم حجبت عنه، فكان يأتي الموضع والخباء، ثم خطبها إلى أبيها فأبى عليه أن يزوّجها؛ ونحن نرى عيباً أن تزوّج المرأة من رجل كان بها مغرماً، وقد خطبها ابن عمّ لها وقد زوّجت منذ ثلاثٍ، فهو على ما ترى لا يأكل ولا يشرب ولا يعقل، فلو نزلت إليه فوعظته! فنزلت إليه فوعظته؛ فأقبل عليّ وقال:

ألا ما للحبيبة لا تعود = أبخلٌ بالحبيبة أم صدود

مرضت فعادني قومي جميعاً = فما لك لم تري فيمن يعود

فقدت حبيبتي فبليت وجداً = وفقد الإلف يا سكنى شديد

وما استبطأت غيرك فاعلميه = وحولي من بني عمّي عديد

فلو كنت السّقيمة جئت أسعى = إليك ولم ينهنهني الوعيد

قال: ثم سكن عند آخر كلمته؛ فقالت العجوز: فاضت واللّه نفسه ثلاثاً! فدخلني أمرٌ لا يعلمه إلاّ اللّه، فاغتممت وخفت موته لكلامي. فلما رأت العجوز ما بي قالت: هوّن عليك! مات بأجله واستراح ممّا كان فيه، وقدم على ربّ كريم؛ فهل لك في استكمال الأجر؟ هذه أبياتي منك غير بعيدة، تأتيهم فتنعاه إليهم وتسألهم حضورهم. فركبت فأتيت أبياتاً منها على قدر ميلٍ، فنعيته إليهم وقد حفظت الشعر، فجعل الرجل يسترجع. فبينما أنا أدور إذا امرأة قد خرجت من خبائها تجرّ رداءه ناشرةً شعرها، فقالت: أيها النّاعي، بفيك الكثكث، بفيك الحجر! م تنعى؟ قلت: فلان بن فلان. فقالت: بالذي أرسل محمداً واصطفاه، هل مات؟ قلت: نعم. قالت: فماذا الذي قال قبل موته؟ فأنشدتها الشعر، فو اللّه ما تنهنهت أن قالت:

عداي أن أزورك يا حبيبي = معاشر كلّهم واشٍ حسود

أشاعوا ما سمعت من الدواهي = وعابونا وما فيهم رشيد

وأمّا إذ ثويت اليوم لحداً = فدور الناس كلّهم لحود

فلا طابت لي الدنيا فواقا = ولا لهم ولا أثرى العبيد

ثم مضت معي ومع القوم تولول حتى انتهينا إليه، فغسّلناه وكفّنّاه وصلّينا عليه، فأكبّت على قبره؛ وخرجت لطيّتي حتى أتيت يزيد بن عبد الملك، وأوصلت إليه الكتاب؛ فسألني عن أمورالناس، قال: هل رأيت في طريقك شيئاً؟ قلت [ C][/COLOR[COLOR="Blue"]]: نعم، رأيت واللّه عجباً. وحدّثته الحديث؛ فاستوى جالساً، ثم قال: للّه أنت يا محمد بن قيس! امض الساعة قبل أن تعرف جواب ما قدمت له، حتى تمرّ بأهل الفتى وبني عمّه، وتمرّ بهم إلى عامل المدينة، وتأمره أن يثبتهم في شرف العطاء، وإن كان أصابها ما أصابه، فافعل ببني عمّها ما فعلت ببني عمه ثم ارجع إليّ حتى تخبرني بالخبر، وتأخذ جواب ما قدمت له. فمررت بموضع القبر، فرأيت إلى جانبه قبراً آخر، فسألت عنه فقيل: قبر المرأة، أكبّت على قبره، ولم تذق طعاماً ولا شراباً، ولم ترفع عنه إلى ثلاثة أيام " إلا " ميتةً. فجمعت بني عمّها وبني عمّه، وأثبتّهم في شرف العطاء جميعاً.

ـ[قطرالندى]ــــــــ[10 - 01 - 2008, 12:03 ص]ـ

عجيب أمر المحبين الأوائل، لا نرى في زماننا هذا حبا مخلصا كحبهم: rolleyes:

فعلا ومن الحب ما قتل.

ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[10 - 01 - 2008, 12:08 ص]ـ

عجيب أمر المحبين الأوائل، لا نرى في زماننا هذا حبا مخلصا كحبهم: rolleyes:

فعلا ومن الحب ما قتل.

أشكرك أختي على المرور.

قيل لأعرابيّ من العذريينّ: ما بال قلوبكم كأنها قلوب طيرٍ تنماث كما ينماث الملح في الماء! أما تجلدونّ؟ فقال: إننا ننظر إلى محاجر أعينٍ لا تنظرون إليها.

وقيل لأعرابيّ: ممنّ أنت؟ فقال: من قوم إذا أحبواّ ماتوا. فقالت جارية سمعته: عذّريّ وربّ الكعبة!.

ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[10 - 01 - 2008, 12:09 ص]ـ

والله إن بدني اقشعر ..

قطعت نياط قلبي يا ليث

ـ[عز الدين القسام]ــــــــ[10 - 01 - 2008, 12:20 ص]ـ

على قدر أهل العزم تأتي العزائم = وتأتي على قدر الكرام المكارم

رائع أخي الليث ..

هل انت متأكد أن الرواية صحيحة , فأنا أشك أن المرأة ممكن أن تخلص كالرجل كما فعل مجنون ليلى وغيره ...

بارك الله فيك ,وألف شكر على هذا الموضوع الرائع والإثراء المتميز.

ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[10 - 01 - 2008, 12:51 م]ـ

والله إن بدني اقشعر ..

قطعت نياط قلبي يا ليث

ما حل بك يا عزيزي يدل على أنك صاحب إحساس مرهف وعاطفة جياشة.

http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=27168

ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[10 - 01 - 2008, 01:14 م]ـ

على قدر أهل العزم تأتي العزائم = وتأتي على قدر الكرام المكارم

رائع أخي الليث ..

هل انت متأكد أن الرواية صحيحة , فأنا أشك أن المرأة ممكن أن تخلص كالرجل كما فعل مجنون ليلى وغيره ...

بارك الله فيك ,وألف شكر على هذا الموضوع الرائع والإثراء المتميز.

بداية مشكور أخي رعد على مرورك الكريم

أما بالنسبة للقصة فقد وردت في كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة في الجزء الرابع ص128 - 130 (مطبعة دار الكتب المصرية) وحالها حال تراثنا وقصصنا.

واسمح لي أن أختلف معك في شكك بإخلاص المرأة، لأن المرأة إذا أحبت يفوق إخلاصها الرجل.وعندي من القصص الواقعية ما يبرهن على ذلك.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير