تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[حقيقة أمير الشعراء ... التاريخ المنسي]

ـ[الأديب بدر]ــــــــ[20 - 01 - 2008, 07:17 م]ـ

منقول صحيفة الجزيرة السعودية

حقيقة أمير الشعراء

التاريخ المنسي

تداعت لي خواطر شتى حول التاريخ المنسي للقب" أمير الشعراء" منذ أن أُعلن عن البرنامج الثقافي " أمير الشعراء " الذي بثته قناة " أبو ظبي " الفضائية، محاولاً أن أنزع عن هذا اللقب صفة الحدث، لما قرأته من مقالاتٍ ترى أن لقب" أمير الشعراء" حقٌّ مكتسب للشاعر المصري الشهير أحمد شوقي (1285 – 1351 هـ) بعد أن ناله في مهرجان تكريمي كبير أقيم له في القاهرة، وبايعه شعراء عصره على هذا اللقب، ولذا لا يجوز نسبته إلى غيره، لارتباط اللقب بالاسم والعكس، فما أن يشاد بالاسم إلا ويتبع باللقب، وما أن يذكر اللقب حتى يردف بالاسم،، وكان من آخر ما قرأت مقالاً للكاتب محمد بن عيسى الكنعان بعنوان"سفير الشعراء وليس أميرهم" المنشور في صحيفة الجزيرة، ذي العدد رقم " 12785" الصادرة يوم الأحد، الموافق 18/ 9 / 1428 هـ.طالب فيه مسؤولي البرنامج بتغيير مسمى البرنامج واللقب إلى " سفير الشعراء" بدلا من" أمير الشعراء" لأحقية شوقي باللقب، ووفاء لتاريخه، وعرفانًا بفضله، حين استحقه بعد كل هذا البذل، والجهد، والمخاطرة، والتغريب. والعجيب أن هذه المطالبات ليست وليدة اللحظة، بل تمتد جذورها إلى زمن شوقي وما بعده،،حين توافرت له عوامل ساعدته في انفراده باللقب، وشهرته به، والتصاقه باسمه، كقربه من الخديوي توفيق، وعظم منزلته عنده، على أنه لم يولد في قبيلة قريش، ولم ينشأ في بادية بني سعد، ولم يحضر مجالس النابغة، أو يتصاول في سوق عكاظ أو المربد.

والحقيقة أن الجدل يدور كثيرًا حول الألقاب الشخصية، وأنها حقٌّ مكتسب لأصحابها، وما انفك بعضهم يرى فيها تمجيدًا لأهلها، وتبجيلاً لتاريخهم أيًّا كان،بل ذهب فئام من الناس إلى أبعد من ذلك فعدَّوها توقيفية لأصحابها فقط لا تتجاوزهم إلى غيرهم، والمؤسف جدًّا أن نرى الألقاب الشخصية حكرًا على أشخاص دون آخرين، أو أن لها من القداسة ما يجعلها توقيفية لهم دون غيرهم، ومما يؤلم أشد الألم أنه لا نحن ولا أسلافنا قمنا بواجبنا تجاه هذه الآراء، وتلك الشبهات، لتخاذل المفرطين، وتواكل بعض العارفين، فأكممنا الأفواه، ورفعنا الأقلام، وجفَّفنا الصحف، وتركنا الأمر على علاّته في اطِّراح الفاضل وبقاء المفضول، والاختلاف حينًا، والاتفاق أحيانًا حولها.

والحديث عن ذلك يخالف قناعة أمثالي، لاستجلابه التاريخ المبطن لتلك الظاهرة، كما أنه يغري بعرض تاريخي لحقيقة هذا اللقب، وتداوله عبر العصور الأدبية الغابرة والغابرة، فأمارة الشعر، ولقب " أمير الشعراء" متوارثتان منذ القدم، وممتدة الجذور بين الماضي والحاضر بين شعراء أبناء الجزيرة، مهد العربية، ومحضنها الرؤوم، مصدر الفصاحة، و مدرج البلاغة، وعرين العروبة، فمنهم من نال اللقب بتواطؤ معاصريه، وشهادة لاحقيه، ومنهم من حازه بشهادة يتيمة، ورأي منفرد، وحكم أعزل، بتأثير موقف، أو رجاء حاجة. ولا أريد هنا التعليق على ساحة سوق عكاظ، وأحكام خيمة النابغة، وقولهم:" أنت أشعر بني تميم "و" أشعر من فلان" لعدم المشاكلة، وما في كتب الأدب يغني قليله عن كثيره.

ولعل أول من وصلنا ذكره بتقلد هذا الوسام هو الشاعر الجاهلي الكبير امرؤ القيس (130 - 80 ق. هـ) فقد جاء في الحديث: " ... ذُكر امرؤ القيس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ذاك رجل مذكور في الدنيا، منسي في الآخرة، يجيء يوم القيامة بيده لواء الشعراء يقودهم إلى النار" (1). وحمْلِه لواء الشعراء دلالة واضحة بأنه أقدرهم على النظم، وأميزهم في الكلام، وأفصحهم في التعبير، وقد ذكر الثعالبي (ت 429 هـ) أن:" امرؤ القيس بن حجر الكندي، هو أمير الشعراء بشهادةِ خيرِ الأنبياء محمد المصطفى، صلواتُ اللّه عليه وعلى اَله الطيبين الأخيار". ثم ذكر الحديث، وزاد بعده:" فيروى أنّ كلاً من لبيد،وحسان بن ثابت قالا: ليت هذه المقالة فيّ،وأنا المدهدي فيها، فيقال: إن أمير الشعراء قوله من قصيدة:

والله أنجحُ ما طلبت به ... والبِرُّ خير حقيبة الرجلِ " (2)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير