تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأبوان ملك وملكة أو شخصيات عالية القدر. ويعامل الحلم الأطفال والإخوة والأخوات دون رقة كحيوانات صغيرة أو حشرات طفيلية، كما أن الميلاد تمثله إشارة إلى الماء بالسقوط فيه أو محاولة الخروج. والموت بدء رحلة أو السفر بالقطار. والأزياء الرسمية تمثل العري وأعضاء التناسل عند الرجل يمثلها الشجر والعصي والأعمدة أو ما يخترق مثل السكاكين والخناجر والسيوف وعند الأنثى حفرة أو كهف ... إلخ. وتلك الرموز شديدة الفقر خاوية التكرار بالنسبة إلى الرموز الشعرية.

علاقة اللغة بالتفكير

أن تكن اللغة هي الواقع المباشر للفكر فليست اللغة والتفكير متطابقين رغم تداخل دائرتيهما، أنهما وجهان متميزان للفاعلية العقلية.

فالفاعلية العقلية، بمشروعاتها وخططها وأهدافها، تتجه نحو العالم في حركتها ذات التناقضات، وهي تحاول أن تدنو في حركة لا نهاية لها من أشياء الواقع وعملياته. وهنا تنشأ التناقضات ويتعثر الفكر أو يخطئ أو يصل إلى تقريب يتلوه تقريب، ويحل التناقض دون اكتمال في أحد المستويات لا في اللغة فحسب بل في كل ضروب المناشط الإنسانية التي تجسد هي أيضًا فكر الإنسان. وقد تكون الأسماء والمصطلحات والمفاهيم المنطقية متعثرة أحيانًا خلف تطور الفكر، فما أكثر ما نلتقي بحضارة متقدمة تجسد الفكر الإنساني وليس لديها إلا تطورات منطقية متحجرة. وكل وجود فردي في الواقع تطلق عليه اللغة كلمة أو اسمًا، وهذا الاسم في أبسط حالاته (مثل بوبي كلب) يحتضن "النوع" على وجه التقريب فحسب. فالنوع لا يشمل كل صفات أفراده إلا على وجه التقريب. والفرد لا يدخل إلا دون اكتمال في أي نوع أو فئة. فالفرد الواقعي مرتبط (وعلى صلة)، بآلاف الانتقالات والحالات الوسطية والوسائط، بأنواع مختلفة من الأفراد والأشياء والظواهر والعمليات. وتلك الارتباطات والوسائط على درجات متفاوتة من الضرورة أو العرضية. فإطلاق اسم على كائن فردي مثل: هذا رجل وهذه ورقة شجر يعني إغفال آلاف الصفات باعتبارها عرضية. فالتسمية تقتطع الجوهري (في إحدى مراتبه) من آلاف الصفات والأوجه والميول العرضية وتقيم مواجهة أو مقابلة بينهما. وفي تلك العبارة البسيطة مثل تسمية كائن مفرد هناك جراثيم مفهومات أكبر تتعلق بالفرد في نسيج من روابط وصلات، ولا يقف الأمر عند تسمية صفوف من أشياء قائمة بذاتها ومفهومات محددة نهائية بأسمائها التي تطلق على كل وجه أو جزء ترمز إليه. فالتسمية البسيطة وراءها عملية فكرية معقدة.

وحينما تكتسب الفاعلية الإنسانية خبرة متطورة بالعالم الخارجي يصبح الذهن في وضع يمكنه من سيطرة متزايدة على مفهومات أكثر تعقيدًا أو من تعديل مفهوماته القديمة والربط بينها بطريقة مختلفة. ففي الكون والحياة الاجتماعية والنفسية آلاف الأشياء وتنوعاتها تختزلها اللغة العادية إلى عدد شديد الضآلة من التصورات وتدمجها أو تدرجها في نطاقها. وقد يكون ذلك تعسفيًا أو تقريبيًا أو موغلاً في الخطأ. بالإضافة إلى أن لغة التواصل العادية حينما تصف الألوان المرئية نفسها- لا ما لا نراه أو نعرفه- تغفل ما تعتبره فقير الأهمية من تدرجات وظلال بالنسبة إلى الحياة العملية، ولكن متطلبات تلك الحياة نفسها بتدقيقاتها وتطويراتها تدخل إرهافًا وتدقيقًا قد لا تستوعبه الألفاظ والتركيبات السائرة. فما بالك بما لا نعرفه من أشياء عن بنية الكون ومنشأ الحياة والوراثة وعمليات النفس حيث ظل البحث والتحقق التجريبيان ضئيلي القدر. ألم نستخدم في وصفها مفهومات الحياة اليومية والخيال والأسطورة بألفاظها؟ ولكن نضوج الفاعلية الإنسانية يصحح المفهومات أو يقلبها. وقد لا تكون الكلمات المثقلة بتاريخ التحيزات السابقة حادة أو دقيقة فيستبدل بها رموز ومعادلات أخرى.

وتلعب اللغة الأدبية بالمثل دورًا خلاقًا بالنسبة إلى التجربة الإنسانية وتصويرها في كلمات، فهي لغة مستمدة

من لغة التخاطب ولكنها أكثر غنى ودقة. فهي عند الكاتب ليست مادة هامدة يأخذها كما هي، وهو بالمثل لا يأخذ ما في اللغة العادية من تداعيات وذكريات بدلالتها المباشرة، بل يعيد تشكيلها على الرغم من أن اللغة الأدبية- كما يذهب الكثير من النقاد- أشد إيغالاً في التراث التاريخي للغة. فاللغة الأدبية ليست مجرد علامات فلها وظيفة جمالية تفرض تنظيمًا متعمدًا إبداعيًا على مصادر اللغة اليومية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير