ليست الألفاظ هي وحدات العمل الأدبي، فالعمل الأدبي ليس سجلاً اعتباطيًا للمفردات، وأحجار بناء العمل تنتظم في نمط ثابت هو الوسيط الأدبي (مثل السلم الموسيقي فهو لا يتكون من الأنغام لا متناهية العدد بل من أنغام مرتبة بطريقة منتظمة تبعًا لمدى انخفاضها وارتفاعها ولا وجود لها في خبرتنا اليومية). وذلك الوسيط الأدبي يجمع بين العناصر اللغوية والحسية، وبين الترتيب الشكلي تبعًا لنمط معين في مواضعة فنية أو جنس أدبي تتحقق فيهما قيم رمزية. فلكي توجد أي قصة مثلاً لا بد من وجود تصورات مشتركة بين السامع والراوي، وهي عموميات تعبيرية تفسر عناصر القصة المتنافرة، أي لا بد من لغة شائعة وسياق مشترك لفهم الحبكة ومنطق بنائي معين بمثابة الأرضية التي تمضي فوقها الأجزاء المتفرقة المتتابعة.
وداخل ذلك النسق البنائي هناك وسائل تشكيلية مثل:
(أ) عودة أحد العناصر بعد تطوير مسار العمل وتوسيعه في تقابل مع العناصر الأخرى. ويعطي توقع مجيء ذلك العنصر إحساسًا بالترقب والإلحاح. مثل السياق الجديد الذي تعود إليه صورة شعرية سابقة أو جزء البيت ومكانه في القصيدة حينما يتكرر تكرارًا بسيطًا.
(ب) أو تغير الصورة أو أحد أجزاء البيت حينما يتكرر الورود في السياق الجديد، فاللازمة المتكررة تتغير في الأقصوصة الشعرية في سياق متغير.
(جـ) الإيقاع الأدبي، وهو نمط من التأكيد والتوقف مثل تكرار الوزن الشعري أو تغييره.
(د) تغيير "المركز" الإيقاعي والانتقال المفاجئ إلى تأكيد عنصر أو موضوع أو وجه لم يؤكد من قبل.
(هـ) خلق الإيقاع نفسه بتوزيع التأكيد في تدرج لمراتب الأهمية، أو وجود عنصر مهيمن وتنظيم اللوحة الأدبية باعتبار أن هناك عنصرًا في مركز العمل أو باعتبار أن هناك توازنًا بين العناصر يتحقق بالتضاد بين عناصر متباينة.
(و) التطوير حيث تؤثر أجزاء العمل الأدبي السابقة فيما يأتي بعد ذلك مثل حبكة الرواية وتنميتها حيث يخلقان سويًا معنى كليًا.
فعلى سبيل المثال إذا كانت مادة الشعر هي الكلمات فإن فحواه ليس ما تقدمه الكلمات من تقرير لفظي ولكن الطريقة التي يصنع بها ذلك "التقرير". وتتضمن تلك الطريقة الصوت والإيقاع وهالة تداعي الكلمات، والسياقات الطويلة أو القصيرة للأفكار، وغنى الصور التي تحتويها، والتوقف المفاجئ للخيال بواسطة الواقعة الخالصة أو توقف واقعة مألوفة بواسطة خيال مباغت، وتعليق المعنى اللفظي بواسطة التباس يطول ثم يحل بواسطة كلمة - هي بمثابة مفتاح - طال انتظارها وبناء الإيقاع وهيكله الموحد الشامل (ستولنيتز).
عنوان (شرح أو تعليق)
المصطلح مشتق من كلمة لاتينية تعني الإمساك، وهو يعني ما يأتي تحت الرسم التوضيحي من عبارة وصفية. وهدف هذا العنوان الفرعي جذب الانتباه.
عياني (ملموس)
يضفي الكتاب ذوو التأثير الطابع العيني على أعمالهم بإعطاء تلك الأعمال صفات الواقع، وهي عناصر نوعية يستطيع القارئ أن يراها ويسمعها ويشعر بها ويشمها ويذوقها. ومن الممكن حتى بالنسبة إلى الانفعالات والإحساسات أن تبدو ملموسة في الكتابة الجيدة. فالفنان الأديب في العادة لا يقف عند أن ينبئنا عن الشخصيات التي يرسمها بل يعرض أمامنا تلك الشخصيات في أفعالها وأفكارها.
فنجد شيكسبير مثلاً، حينما يصف لنا ملامح كاسيوس في تأملاته الكثيفة العاكفة على الذات، لا يلاحظ تلك السمات المميزة فحسب بل يكتب أن لكاسيوس مظهرًا جائعًا أعجف، وبذلك أضفى شيكسبير على تعاسة وإحباط الرجل الذي يفكر كثيرًا جدًا طابعًا حيويًا لا تخطئه العين، وكذلك نرى الغيرة في عطيل كوحش أخضر العينين، وفي روميو وجولييت يلاحظ البطل أن لا أحد يستطيع أن يفهم عمق حبه لجولييت لأن أحدًا قبله لم يحب مثل هذا الحب، "يسخر من آثار الجروح ذلك الذي لم يشعر أبدًا بجرح".
¥