تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومثل ذلك قولهم في حديث: "لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب" بأن فيه إشارة إلى تطهير القلوب من الحسد والحقد والغضب والبخل والخديعة والمكر وسائر الصفات الذميمة. فإن منزلتها في القلب منزلة الكلاب من البيت. قالوا: ونحن نقرأ الحديث على ظاهره، ولكنّا نلحق به المعنى الآخر على سبيل الإشارة."

وبيَّن ابن العربي أن هذا معنى فاسد من وجهين:

أحدهما: أنه يكاد يقطع بأن هذا لم يكن مقصوداً للنبي ?.

والثاني: "أنّا وجدنا التصريح بتطهير القلوب من هذه الصفات الذميمة كلها منصوصاً عليه. فما الذي محوجنا إلى أن نأخذه على بُعد من لفظ آخر؟ هذا من الفن الذي لا يُحتاج إليه. وإنما هو احتكاك بتلك الأغراض الفلسفية، وهي عن منهج الشريعة قصية."31

قال السيوطي:

"والذي حرره هنا هذا الإمام: أن الصريح عام في الدين، به جاء البرهان، وعليه درا البيان، فلا يجوز أن يعدل بلفظ عن صريح معناه إلى سواه، فإن ذلك تعطيل للبيان، وقلب له إلى إشكال."

ونقل السيوطي: عن ابن عطاء الله السكندري (توفي: 709ه/1309م) في كتابه لطائف المنن أنه قال: "اعلم أن تفسير هذه الطائفة لكلام الله وكلام رسوله بالمعاني الغريبة، ليس إحالة للظاهر عن ظاهره، ولكن ظاهر الآية مفهوم منه، ودلت عليه في عرف اللسان، وثمّ’ أفهام باطنة تفهم عند الآية والحديث لم فتح الله قلبه، وقد جاء في الحديث: "لكل آية ظهر وبطن" فلا يصدَّنك عن تلقي هذه المعاني منهم أن يقول لك ذو جدل ومعارضة: هذا إحالة لكلام الله وكلام رسوله، فليس ذلك بإحالة، وإنما يكون إحالة لو قالوا: لا معنى للآية إلا هذا، وهم لم يقولوا ذلك، بل يقرون الظواهر على ظواهرها مراداً بها موضوعاتها، ويفهمون عن الله تعالى ما أفهمهم."32

ورأيي أن يقبل من هذه الإشارات ما كان قريباً غير بعيد، مقبولاً غير متكلف، وكان في دائرة الشريعة وأحكامها، ولم يكن في الظاهر ما يغني عنه مما هو أنصع بياناً، وأوضح برهاناً.

ومنه ما يكون من باب التعليق على النص بإشارة دامغة، أو حكمة بالغة. مثل قول التستري (توفي: 283ه/896م) تعليقاً على آية: ?وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ? (الأعراف: 148): عجل كل إنسان: ما أقبل عليه فأعرض به عن الله من أهل وولد.33

أما تكلفات بعض المفسرين في أن يكون لجميع آيات القرآن إشارات باطنية -كما نرى ذلك في (روح المعاني) للألوسي وغيره- فلا أراها مجدية ولا مقبولة.

* إسراف المدارس العقلية في التأويل:

وإذا كانت (المدرسة الروحية) أو (الصوفية) قد سقطت أو سقط غلاتها في سوء التأويل للقرآن، فمثلها مثل المدرسة أو (المدارس العقلية)، ومن نظر إلى (المدرسة العقلية) في تاريخ الفكر الإسلامي، يجد أن أصحابها ذهبوا بعيداً في تأويلاتهم الجائرة للنصوص أو -على الأقل- المتكلفة لها، فقد انتهى بهم هذا الشطح إلى أودية بعيدة، بل إلى مفاوز مهلكة، انطمس فيها السبيل، وعًدِمَ الدليل.

- المدرسة الفلسفية:

أبرز المدارس العقلية، مدرسة الفلاسفة، وخصوصاً المشَّائين منهم. لقد كان أكبر همهم التوفيق بين الفلسفة التي أعجبوا بها، والدين الذي ورثوه ودانوا به، ولكنهم جعلوا الفلسفة هي الأصل، والدين هو الفرع واعتبروا قول أرسطو هو الذي يُحتكم إليه، ويُعوَّل عليه، وقل الله تعالى، وقول رسوله الكريم، تابعين له، إن وافقاه فبها ونعمت، وإلا وجب تأويلهما، قَرُبَ هذا التأويل أم بعُد.

لقد أسرفوا في التأويل، فأدخلوه في كل مجالات العقيدة: الإلهيات والنبوات والسمعيات.

فالله عندهم ليس هو الإله المعروف عند المسلمين بأسمائه وصفاته المذكورة في القرآن، ليس هو الخالق لكل شيء، العليم بكل شيء، القدير على كل شيء.

والنبيُّ ليس هو الذي يكلّمه الله تعالى وحياً، أو من وراء حجاب، أو يُرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء، كما هو ثابت معلوم عند جميع المسلمين.

والمعاد ليس كما يؤمن به المسلمون: بعثاً للأجساد، وخروجاً من الأجداث، في يوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين، فتُنصب الموازين، وتُنشر الدواوين، ويُسأل الناس عما كانوا يعملون، يُجزى قوم بدخول الجنة بما فيها من نعيم روحي ومادي، وآخرون بالنار، وما فيها من عذاب حسي ومعنوي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير