تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الله عند الفلاسفة لم يخلق العالم، وهو لا يعلم بما يجري فيه من جزئيات وتفاصيل، فلا يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يَعرج فيها.

والنبي ليس بشراً يوُحَى إليه من الله بوساطة مَلَك ينزل عليه.

والبعث ليس مادياً ولا جسماً، وليس هناك جنة ولا نار بالمعنى الذي عرفناه من القرآن والحديث.

هذه عقيدة القوم كوَّنوها لأنفسهم من خارج الإسلام، ثم أرادوا أن يحملوا الإسلام عليها حملاً، وأن يجرُّوا القرآن جراً ليبرر لهم هذا الضلال المبين.

ولا ريب أن القرآن من أوله إلى آخره يُبطل ما قالوه في العقائد، ويُضادُّه مضادَّة صريحة، وخم يعلمون هذا ويقولون: "إنَّ الشرائع واردة لخطاب الجمهور بما بفهمون، مقرِّبة ما لا يفهمون إلى أفهامهم بالتشبيه والتمثيل، ولو كان غير ذلك ما أغنت الشرائع البتّة".34

ومعنى هذا: أن الأنبياء يكذبون على النسا، ويقولون لهم غير الحق، ولكن لمصلحتهم؛ لأنهم -لغلظ طباعهم، وتعلق أوهامهم بالمحسوسات الصرفة- لا يقدرون على إدراك الحقيقة الموحدة، والغاية -في نظر هؤلاء- تبرر الوسيلة.

وقد ردَّ الإمام أبو حامد الغزالي على الفلاسفة، بعد أن درس فلسفتهم وهضمها وألّف في ذلك كتابه مقاصد الفلاسفة الذي لخّص فيه مقولات الفلسفة تلخيصاًَ ربما لا يقدر عليه الفلاسفة أنفسهم. ثم كرَّ عليها بالنقض والإبطال، في كتابه الشهير تهافت الفلاسفة وخطأهم في سبع عشرة مسألة، وكفّرهم ي ثلاث مسائل شهيرة: قولهم بقدم العالم، وأن الله لم يخلقه من عدم، وقولهم بأن الله لا يعلم الجزئيات والحوادث الواقعة في هذا الكون، وقولهم بأن البعث روحاني، لا جسماني، فالأجسام بعد أن تفنى لا تحيا ولا تبعث مرة أخرى لتنعم أو تعذب.35

وقد حاول الفيلسوف ابن رشد (توفي: 590ه/1194م) أن يدافع عن الفلاسفة، ويردَّ على الغزالي في كتابه تهافت التهافت.36 ولكن الحقيقة المرَّة أنَّ الفلاسفة استقوا عقيدتهم هذه من خارج المصادر الإسلامية. ولهذا لم يسلم لابن رشد كثير من دفاعاته، على الرغم من مهارته وخبرته بالشرعيات والعقليات.

- تأويلات الفرق الكلامية:

وما سقط فيه الفلاسفة وقعت فيه الفرق الكلامية بأقدار متفاوتة.

من ذلك تأولات الفرقة المعروفة باسم (المرجئة) من الإرجاء، وهو التأخير، لأنهم يؤخرون العمل والسلوك عن الاعتقاد والإيمان ويعتبرون مجرد الاعتقاد كافياً لنجاة الإنسان.

قالت المرجئة: من أقرَّ بالشهادتين، وأتى بكل المعاصي فهو ناج، ولا يدخل النار أصلاً بناء على مذهبهم: أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة. وخالفوا في ذلك الآيات التي توعَّدت أهل المعاصي بالنار: ?وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً? (النساء:30)، ?إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً? (النساء:10)، ?وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ? (البقرة: 275)، ?وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً? (النساء:93).

وخالفوا أيضاً الأحاديث الصِّحاح التي جاءت في وعيد العصاة، وهي كثيرة غزيرة.

وكذلك الأحاديث التي وردت في إخراج الموحِّدين -ممن في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان- من النار، وهي كثيرة ...

قال العلامة أبو الوفاء بن عقيل:

"ما أشبه أن يكون واضع الإرجاء زنديقاً فإن صلاح العالم بإثبات الوعيد، واعتقاد الجزاء، فالمرجئة لمّا لم يمكنهم جحد الصانع (سبحانه وتعالى) لما فيه من نفور الناس، ومخالفة العقل، أسقطوا فائدة الإثبات، وهي الخشية والمراقبة، وهدموا سياسة الشرع، فهم شرُّ طائفة على الإسلام"،37 والمراد بهؤلاء: غلاة المرجئة الذين اعتبروا الإنسان مؤمناً، وإن لم يعمل عملاً واحداً من أعمال الإسلام. فإن هناك نوعاً من الأرجاء قال به بعض أكابر المسلمين. وليس هو المقصود هنا.

- تأويلات الجبرية:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير