ومثل تأويلات (المرجئة) تأويلات (الجبرية) الذين اعتبروا الإنسان مسيَّراً لا مخيَّراً، وأنه لا إرادة له ولا اختيار، وأنه كريشة في مهم الريح تحركها الأقدار كيف تشاء، ومنهم من انتهى إلى جبرية صريحة مكشوفة. ومن انتهى إلى جبرية مقنَّعة، لم يغنِ قناعُها عنها شيئاً.
اعتمد هؤلاء على آيات من كتاب الله متشابها، مثل قوله تعالى: ?ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ? (الأنعام: 102)، ?وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ? (الصافات:96)، ?أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ? (النحل: 17)، ?وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ? (الإنسان:30)، ?كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ? (المدثر: 31).
وتأولوا الآيات الصريحة التي تنسب إلى الإنسان عمله، وتحمٍّله مسؤوليته، وتُجزيه عليه في الدنيا والآخرة، ثواباً وعقاباً، وتحرّضه على الإيمان والعمل.
اقرأ قوله تعالى: ?مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ? (النحل:97)؛ ?وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ? (الأعراف:96) ?ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ? (آل عمران:182)؛ ?وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ? (الزخرف:72)؛ ?فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ? (السجدة:17)؛ ?وَقَالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ? (الأعراف:39).
والقرآن كله تحريض على الإيمان والعمل الصالح بأساليب شتى، كلها تنبئ عن مسؤولية الإنسان عن إيمانه وعمله، وعن اختياره لأحد النجدين.
اقرأ قوله تعالى: ?فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُون.وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ? (الانشقاق:20 - 21)؛ ?وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ? (النساء: 39)؛ ?وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر:1 - 3)؛ ?وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. َأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا? (الشمس:7 - 10).
والقرآن كله، مكيه ومدنيه، حافل بما ينقض مذهب الجبر، ويقتلعه من جذوره.
والحق أن هذا المذهب يناقض نصوص القرآن المحكمات، ويناقض أساس الدين الذي قام على التكليف والمسؤولية، وبه أنزل الله الكتب، وبعث الرسل وقامت سوق الجنة والنار.
وقد ردَّ عليه علماء المسلمين، ولكن شاعت أفكاره بين جماهير الأمة، فأقعدتها عن العمل، وأفقدتها حرارة الإحساس لعمارة الأرض، وإقامة الحق، ومقاومة الباطل، وأصبح المثل السائد: دع الخلق للخالق أقام العباد، فيما أراد.
- مدرسة المعتزلة والتأويل:
قرأ المعتزلة القرآن، وفسره من فسره منهم بعقلية المعتزلي، وروح المعتزلي، الذي يؤمن بأفكار فرقته الأساسية: أن الإنسان خالق أفعال نفسه، وأن الله لا يريد المعصية، وأن ليس لله صفات ثبوتية كالعلم والقدرة والإرادة والحياة إلخ ... وأن القرآن مخلوق، وأن الله لا يرى في الآخرة، وأن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين، لا هو مؤمن ولا هو كافر، ولكنه مخلد في النار، وأن الأنبياء والملائكة والمؤمنين لا يشفعون لمذنب ف الآخرة ... إلخ
¥