فإن قيل لماذا سبقت الإشارة بلَمْ يَلِدْ على لَمْ يُولَدْ .. قلنا، و الله أعلم بمراده، لما كان الكلام موجها إلى محمد صلى الله عليه و سلم، ثم إلى المؤمنين من بعده، بأن يلفظوا لفظة التوحيد وجوبا .. كان أن نبههم إلى أصلهم الذي هو أبونا آدم .. و نحن ذريته فقال لَمْ يَلِدْ ..
و يعتقد أصحاب العلم بالبيولوجيا، على الأقل نظريا، أننا نحمل ميتوكوندريا أمنا حواء كما هي من دون تغيير، لأنها لا تدخل في عملية التلاقح حين الحمل، فإذا علم أن أمنا حواء قد حملت هذه الجينات من أبينا آدم فإننا نحمل نفس الجينات لأبينا آدم من دون تغيير .. و هو ما يدلي إذن باشتراكنا مع من لم يولد الذي هو أبونا آدم في صفة من صفاته دون أن تتغير ..
و يمكن للمولود أن يحمل صفات تتنحى فلا تظهر عليه، بل ربما ظهرت في بعض أولاده أو أحفاده (مرحلة البرمجة الجنينية).
و بين هذه الأسطر تتأكد لنا عظمة الله و أنه تنزه عن كل شريك .. سبحانه .. و كل هذه الأسطر تصب في مصب واحد هو مصب أسرار الآية الكريمة: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ.
و تستمر مرحلة الإلقاح و وصول البييضة الملقحة إلى الرحم حوالي 6 أيام، ويستمر انغراسها ونموها في جدار الرحم حتى اليوم 15 حيث تبدأ مرحلة العلقة.
يبدأ طور العلقة في اليوم 15 وينتهي في اليوم 23 أو 24 حيث يتكامل بالتدريج ليبدو الجنين على شكل الدودة العلقة التي تعيش في الماء، ويتعلق في جدار الرحم بحبل السرة، وتتكون الدماء داخل الأوعية الدموية على شكل جزر مغلقة تجعل الدم غير متحرك في الأوعية الدموية، معطية إياه مظهر الدم المتجمد.
وبالرغم من أن طبيعة الجسم البشريّ هي أن يطرد أيّ جسم خارجي فإن الرحم لا يرفض العلقة المنزرعة في جداره، على الرغم من أن نصف مكوناتها ومورثاتها هو من مصدر خارجي (الأب) وهذا مرده حسب بعض التفسيرات أن منطقة خلايا ( Syncitia) بالعلقة لا يوجد بها مولدات ضد ( Antigens) .
يجدر بنا أن نذكر هنا أن الشريط الأولي ( Primitive Streak) هو أول ما يُخلق في الجنين في اليوم 14 أو 15 ثم تظهر فيه العقدة الأولية ( Primitive Node) ومن هذا الشريط تتكون الخلايا الأم ( Stem cells) ومصادر الأنسجة الرئيسية ( Mesoderm, Ectoderm, Endoderm) التي سوف تشكل أعضاء وأنسجة الجسم المختلفة. وفي نهاية الأسبوع 3 يضمر الشريط الأولي ويتوضع ما يتبقى منه في المنطقة العجزية - العصعصية ( Sacrococcygeal region) بنهاية ذيل العمود الفقري مبقياً على بقايا للخلايا الأم في هذه المنطقة، حتى إن بعض أورام المنطقة العصعصية -تسمى الورم متعدد الأنسجة أو الورم العجائبي ( Teratroma)- يمكنها أن تحوي أنسجة مختلفة (عضلات، جلدا، غضروفا، عظما، وأحيانا أسنانا أيضا) بخلاف الأورام التي تنشأ في مناطق أخرى، والتي تكون على حساب نسيج واحد محدد.
هذه الخلايا الأم هي الخلايا التي تحمل الصفات التكوينية .. بحيث تنقسم و تتكاثر، ثم تشكل مجموعات تتكون منها الأعضاء و باقي أجزاء الجسم .. و هي بالتالي الخلايا المسؤولة عن الوظائف كالنطق و السمع و النظر و اللمس .. و هو سر أول ما نزل من القرآن .. يقول الله تعالى، في سورة العلق: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) و لا أظن أن من لا يعلم ما ذكرت سيفهم سر ربط القراءة بالخلق، ثم بخلق الإنسان خصوصا، ثم بمرحلة من مراحل خلقه التي هي العلق .. أما الآن و قد علمنا فلا يجب أن نقف مندهشين أمام وصف الله الرائع و المعجز بل لنجعل ذلك الأمر دافعا لنا نحو البحث في عمق هذه المسائل .. و الناظر هنا يرى كيف أن الله تعالى حدثنا هنا عن صفات التكوين و لم يحدثنا عن صفات المظهر و الصورة .. و ربما خص من صفات التكوين هنا و ظائف الحواس و معها النطق لأن القراءة تحتاج لهذه الوظائف .. و عن اشتغل الباحثون الآن بتغيير الأمور التافهة من لون العينين و طول الأنف و تغيير جنس المولود .. فأجدر بهم النظر فيما يفيد كمعرفة الجينات المسؤولة عن النطق و الفهم و السمع و البصر .. عل ذلك يقودنا إلى علاج الصمم و مثلا ..
و لك، أخي 7، أن تعود الآن لما قلت فعلك تجد من العجائب ما غاب عني .. أو من الخطإ في مقالي ما به تقويني في الحق و تقوم به عوجي ..
أما أنت أحي عبد الله فإني أسألك زيادة على ما أوردت من اللطائف .. و جزاك الله عني خيرا .. بها أستطيع شكرك و بغيرها لا أستطيع ..
و الله أسأل لي و لكم التوفيق
يغفر الله لي و لكم
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
عمارة سعد شندول
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[17 Feb 2009, 03:24 م]ـ
أخي عمارة سعد شندول ما جاء من قولك "الكسرة الوحيدة في سورة الإخلاص تقسم السورة إلى نصفين بحيث يكون عن يمين الحرف المخفوظ 23 حرفا و عن شماله 23 حرفا" ملاحظة جيدة لكن ربطها بعدد الكروموزومات أمر غريب ومستبعد
لكن من العجائب الثابتة التي نعرفها لسورة الإخلاص أنها تعدل ثلث القرآن؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه كما في رواية الإمام مسلم: (أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: (قل هو الله أحد، تعدل ثلث القرآن)
وقد فسر العلماء نحو ابن تيمية وغيره ذلك بالآتي:
1 - يقسم الكلام عموما من ناحية منطقية إلى قسمين:
أ - خبر "أي معلومة" ويوصف قائله بالصدق أو الكذب
ب - إنشاء "وهو الطلب ونحوه كالأمر والنهي وغيره" ولا يمكن وصف قائله بالصدق ولا الكذب
2 - القرآن أيضاً قسمان"خبر وإنشاء" ولكن لعظم "الخبر " ولإفراد ما يتعلق بالله عن ما يتعلق بالمخلوق تقسم الخبر القرآني إلى قسمين فصارت أقسام القرآن الكبرى ثلاثة؛ وهي:
أ - خبر عن الخالق "التوحيد"
ب - خبر عن المخلوق
ج- إنشاء أي:"أمر ونهي ونحو ذلك "
وسورة الإخلاص تشتمل على القسم الأول وهو أعظم الأقسام؛ لذلك صارت سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، وصار حبها يدخل الجنة لأنه حب لله وللتوحيد وللقرآن، وقد روى الترمذي عن أنس أن رجلا قال: يا رسول الله إني أحب هذه السورة (قل هو الله أحد) فقال: "إن حبك إياها يدخلك الجنة"
د. جمال الدين عبد العزيز شريف
¥