فليت هذا الأثر النفيس، يجد مِن أمثال د. حاتم الضامن – وقليل ما هم – مَن يحققه تحقيقا يناسب مكانته.
منهج "المجيد":
يقول الإمام الصفاقسي في مقدمته متحدثا عن منهجه بعد أن بين أن المنهج الصحيح في إعراب القرآن هو بناء النحو والصرف على أصولهما (المجيد: 336 - 337):
"وقل من سلك هذه الطريقة من المعربين، واقتعد غاربها من المحققين، إلا الشيخ الفاضل المحقق أثير الدين؛ فإنه ضمن كتابه المسمى بـ"البحر المحيط" هذا الطريق، وسلك فيه سبيل التحقيق، وزيف أقوال كثير من المعربين، وبين حيدها عن أصول المحققين، هذا مع ما له في علم اللسان، من الكتب العظيمة الشان، جمع فيها ما لم يسبق إليه، ولا احتوى أحد قبله ولا يحتوي بعده عليه، فلقد أتقن ما جمع نهاية الإتقان، وأحسن إلى طلبة هذا العلم غاية الإحسان، فجزاه الله عن العلم والعلماء خيرا، وزاده شرفا كثيرا، لكنه – أبقاه الله – سلك في ذلك سبيل المفسرين في الجمع بين التفسير والإعراب فتفرق فيه هذا المقصود، وصعب جمعه إلا بعد بذل المجهود، فاستخرت الله تعالى في جمعه وتقريبه، وتلخيصه وتهذيبه، فوجدت لسبيل التأميل مدرجا، وجعل الله لي من ربقة العجز مخرجا، فشرعت في ما عزمت عليه، وامتطيت جواد الجد إليه، فجاء – والحمد لله – في أقرب زمان على نحو ما أملت، وتيسر علي سبيل ما رمت وقصدت، ولا أقول إني اخترعت، بل جمعت ولخصت، ولا إني أغربت، بل بينت وأعربت، ولما كان كتاب أبي البقاء المسمى بـ"البيان في إعراب القرآن" كتابا قد عكف الناس عليه، ومالت نفوسهم إليه، جمعت ما بقي فيه من إعرابه، من ما لم يضمنه الشيخ في كتابه، وضممت إليه من غيره، ما ستقف عليه – إن شاء الله تعالى – عند ذكره، ليكتفي الطالب لهذا الفن بضيائه، ولا يسير إلا تحت لوائه:
كالشمس يستمد من أنوارها=والشمس لا تحتاج لاستمداد
على أنه لو لم يشتمل على هذه الزيادة، لكان فيه أعظم كفاية ومزادة، وبالنظر فيه ترى الفرق، وتعرف الحق. وجعلت علامة ما زدت على كتاب الشيخ: (م)، وما يتفق لي – إن أمكن – فعلامته: (قلت)، وما فيه من (اعترض) و (أجيب) و (أورد) ونحو ذلك، من ما لم أسم قائله فهو للشيخ. وقد تكون القراءة الشاذة عن أشخاص متعددين فأكتفي بذكر واحد منهم قصدا للاختصار، وما كان عن بعض القراء أو شاذا عزيته إليه، ثم أقول: (والباقون) وأريد به: من السبعة."
ذلك هو منهج الكتاب، وقد جاءت مقدمته حافلة بالإعجاب والثناء على شخص أبي حيان وكتابه، لكن الصفاقسي مع ذلك أثار غيظ شيخه أبي حيان، لأنه قد تعقبه في بعض المواضع، وأضاف إلى "البحر" زيادات من "تبيان" العكبري.
وتلفت النظر في الكتاب ظاهرة كثرة الشواهد الشعرية، كما يقول العلامة د. حاتم الضامن (المجيد: 329): "وامتاز الكتاب بكثرة شواهده التي أربت على الألف، وتتضح قيمة هذه الثروة الشعرية إذا ما قوبل بغيره من كتب إعراب القرآن؛ فقد بلغت شواهد مكي بن أبي طالب في كتابه "مشكل القرآن" اثنين وثلاثين شاهدا، وبلغت عند أبي البقاء العكبري في كتابه: "التبيان في إعراب القرآن" واحدا وستين شاهدا".
مخطوطات "المجيد":
اعتمد المحقق على مخطوطتين للكتاب، هما:
1 – نسخة دار الكتب الظاهرية، المرقمة بـ: (530 تفسير).
2 – نسخة دار الكتب المصرية، المرقمة بـ: (222 تفسير).
(انظر: المجيد: 329).
"المجيد": هل هو اختصار مباشر أم اختصار للاختصار؟
ذهب الإمام السيوطي إلى أن "المجيد" هو اختصار لـ"لدر المصون" للسمين الحلبي، ومعروف أن "الدر" هو اختصار لـ"لبحر"، يقول السيوطي في الإتقان: "النوع الحادي والأربعون في معرفة إعرابه: أفرده بالتصنيف خلائق منهم مكي وكتابه في المشكل خاصة، والحوفي وهو أوضحها، وأبو البقاء العكبري وهو أشهرها، والسمين وهو أجلها على ما فيه من حشو وتطويل، ولخصه السفاقسي فحرره، وتفسير أبي حيان مشحون بذلك".
لكن حاجي خليفة في "كشف الظنون" وهَّم السيوطي في ذلك، وبرهن على أن "المجيد" اختصار لـ"لبحر"، لا لـ"لدر"، يقول معلقا على كلام السيوطي: "وهو وهم منه؛ لأن السفاقسي ما لخص إعرابه منه، بل من "البحر" كما عرفت، والسمين لخصه أيضا من "البحر" في حياة شيخه أبي حيان وناقشه فيه كثيرا، وسماه: "الدر المصون في علم الكتاب المكنون" وفرغ منه في أواسط رجب سنة أربع وثلاثين وسبعمائة".
¥