ولعل التربية بالعصا قد بدأت تقل لتأثر المدرسين بالواقع المتغير، لكنهم ما استعملوها إلا لما يعلمون من أهميتها وأثرها في الإعداد التربوي.
ومما يحكى من نوادر المعلمين في هذا الباب ما حكاه الجاحظ قال:" مررت بمعلم صبيان وعنده عصا طويلة وعصا قصيرة وصولجان وكرة وطبل وبوق، فقلت: ما هذه؟ فقال: عندي صغار أوباش فأقول لأحدهم اقرأ لوحك فيصفر لي بضرطة فأضربه بالعصا القصيرة، فيتأخر فأضربه بالعصا الطويلة، فيفر من بين يدي فأضع الكرة في الصولجان وأضربه فأشجه، فتقوم إلي الصغار كلهم بالألواح، فأجعل الطبل في عنقي والبوق في فمي وأضرب الطبل وأنفخ في البوق، فيسمع أهل الدرب ذلك فيسارعون إلي ويخلصوني منهم ". [4] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn4)
وبالتأكيد أن فقهاء يومنا ومعلمي كتاتيبنا بعيدون عن مثل هذا النوع من العقاب، لكن العقاب كان موجودا ولا يزال، ترك آثاره السلبية في نفوس كثير من القراء والحفاظ وكذا الآثار الايجابية، وهذا لا ينكر إلا جاحد ...
ومن الأمور التي تؤخذ على هذا المنهج، قيامه على وسائل تقليدية تقوم على الحفظ دون الفهم والممارسة، مما يقيم قطيعة بين تلاوة القرآن وتدبره، ويلغي البعد العملي في تعاليم الاسلام، ويهمل أبعادا متعددة من كيان المتعلم كلها، كالبعد النفسي والخلقي والاجتماعي والاقتصادي.
-إضافة الى النقص الملاحظ في تنوع المواد المدرسة، فالنص القرآني وحده لا يكفي لتحقيق تكوين شامل ومتوازن لدى الناشئة.
-ويضاف الى كل هذا انفصال التعليم بالكتاتيب عن العمل المنتج والحياة المهنية
-ولا ننسى الانفصام التام الموجود بين هذه الكتاتيب والتعليم النظامي الحديث الذي أثر في وجودها وصيرورتها.
5 - واقع المدرسين:
هم في الأعم الأغلب أئمة المساجد نفسها، أو حفاظ يتفرغون لهذا العلم وراثة عن الأجداد والآباء، أو متطوعون "بالشرط " يكون من مهامهم القيام بتعليم أبناء الحي أو أبناء الدوار أو المدشر، يساعدهم في ذلك أبناؤهم أو أحد التلاميذ المتفوقين ...
وهذا يعني أنهم لا يكادون يأخذون مقابل عملهم إلا الكفاف من العيش والقليل من العوض، "كالحدية" أو" الآربعية" ولها أسماء مختلفة بحسب الأقاليم، وهو عوض مالي قليل، يتسلمه الفقيه من التلاميذ يوم الأربعاء والأحد، وكذا ما قد يحصل عليه في بعض المناسبات الدينية وهي ضئيلة، ومن بعض الهدايا البسيطة في بعض المناسبات الخاصة كحفل ختم القرآن.
مع أخذنا بعين الاعتبار المؤسسات التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية، التي تدر على الكتاتيب التابعة لها بعض المنح التشجيعية غير الكافية بالطبع. ولا ننسى أن عددا من هؤلاء المعلمين يتمتعون بكل الحب والاحترام من قبل المتعلمين وأهاليهم خصوصا إذا كان المدرس من أهل العلم والصلاح، وكان متضلعا في الفقه والفتوى ...
-ومما يلاحظ على بعض من انبرى للتعليم بهذا الميدان، ضعف تكوينهم علميا ومنهجيا، فأكثرهم لا يزيد على حفظ نص القرآن –إن حفظه- دون إلمام كاف باللغة العربية أو بعض العلوم الاسلامية، فضلا عن المعارف العصرية، أو مناهج التدريس وعلوم النفس والتربية، وإذا كان المعلم قليل العلم مختل المنهج أو منعدمه فإن ذلك سينعكس ولا ريب سلبا على أساليب التدريس ومضامينه ونتائجه.
6 - واقع التسيير والتدبير:
تقوم الكتاتيب القرآنية في أغلب الأحوال على مبدأي التطوع والكفاف في التمويل والتسيير، بحيث لا تحتاج في أداء مهمتها إلا الى أبسط حد ممكن من التجهيزات المادية. وهي تجهيزات قد توجد ملتصقة بالمساجد سواء في الحواضر أم البوادي، أو قد يوفرها المجتمع المعني تطوعا واختيارا، لكن هذا لا يفي بالغرض المطلوب والمرغوب في زمننا، عصر الفضائيات والشبكة العنكبوتية التي اقتحمت كل بيت أينما بعد أو قرب، وعصر تنامي الأفكار وتلاقحها، وانتشار القض والقضيض والغث والسمين من الأفكار والتوجهات التي أثرت سلبا على كثير من خريجي الكتاتيب القرآنية، باعتبارهم من حملة القرآن الكريم.
وهذا يبين حاجة هذه المؤسسات لمن يأخذ بيدها قبل فوات الأوان، وقبل أن تفعل فيها موجة العولمة عولمتها، فتحصل المنافسة غير المتكافئة بين إدارة وتسيير عفويين، وبين واقع يدار بتدبير وتخطيط.
ثالثا: آفاق الكتاتيب القرآنية (المقصود):
¥