فحيث أمكن فعل هذا يكون أحسن، وحيث امتنع يُبحث عن السبل الكفيلة لتحقيقه. إذ وسائل تلقي المعارف والعلوم قد تطورت، فلماذا يكتفى بالوسائل القديمة وإن أثبتت صلاحيتها واستمراريتها وصمودها؟. ولا يبحث عن الارتقاء بها، كما تم الارتقاء بذلك في المدارس النظامية.
-وفي هذا يمكن الاستعانة بكل ما أنجز من برامج معينة في الموضوع، وأقراص ومطبوعات، وكلها متوفرة في الأسواق، وبُذل فيها جهد لا يستهان به.
-ولا ننسى المحافظة على تلقي الرسم والكتابة القرآنية من طرف الفقيه وتصحيحها والحفاظ عليها، وهو علم بدأ يقل ويندرس، بل ويهمل في واقعنا، خصوصا عند الحفاظ عن طريق الصحف والكتب.
بل ويجب أن لا يهمل ما عادته الاهمال في كتاتيبنا، وهو حسن ترتيل القرآن، وكذا تعليم قواعد التجويد في الكتاتيب، إذ عادة ما يلاحظ على غالبية الحفاظ المتخرجين منها ضعف حسهم التجويدي، وعدم حسن إتقانهم لمخارج الحروف. ويمكن الاستعانة على كل هذا بالكثير من الوسائل السمعية والبصرية التي يستخدمها اليوم مدرسو القرآن الكريم في العالم الاسلامي، في مختلف مراحل سلك التعليم.
ب-ضرورة ربط العلم بالعمل:
وهذا من التجديد، وهو مما يعاب على أغلب خريجي الكتاتيب القرآنية، إذ الهدف في نظر معلميهم، وفي نظر آبائهم، هو الحفظ ثم الحفظ، وهذا غير كاف، إذ ينبغي تغيير الأهداف المسطرة في الكتاتيب وعند القائمين بأمورها.
بهذا نستطيع أن نبني أمتنا من خلال بناء أبنائنا داخل هذه المؤسسة الصغيرة، الكبيرة في واقعنا وفي آثارها الايجابية. وبدون ربط المتعلمين بالعمل بما تعلموه، سيفرز لنا هذا التعليم أفرادا يحفظون أمورا يخالفونها تطبيقا وممارسة، وأوضحها قلة اكتراثهم بالشعائر التعبدية وبالمسجد.
ج- تدبر المحفوظ وتفسيره:
وهذا موضوع لا يجب الاستهانة به، إذ لا يعقل أن يتخرج شاب أو حافظ لكتاب الله حفظا متقنا دون أن يكون له علم بآياته وشرح لمعانيه. وهذا ما يدفعنا الى القول بضرورة تدخل المديرية المعنية بفرض تفسير معين على جميع الكتاتيب القرآنية وعلى مؤطريها، ولما لا يكون تفسير الشيخ العلامة المكي الناصري، فهو سهل ميسر يتتبع المغاربة سماعه كل يوم عبر الاذاعة ويفهمونه لبساطته وسهولة مأخذه. أو ينجز تفسير لهذ الغرض يتفرغ له الأكفاء من أبناء أمتنا وعلمائنا الأفذاذ. وهذا أمر إن تم سيخرج لنا رجالا يفهمون ما يحفظون، وسيسهل عليهم العمل بمما يفهمون، بل وحسن تبليغه إن فتح لهم مجال التبليغ أو اقتحموه. ولا أنسى أن أذكر بضرورة أن يساير المعلم تلاميذه أثناء حفظ القرآن بما يلزم من معرفة، كمتن أو منظومة ابن بري في قراءة نافع، وبعض المنظومات في رسم القرآن ...
د-توحيد المنهج العقدي:
فالمغرب ولله الحمد والمنة، امتاز بوحدة مذهبه الفقهي، ونهجه العقدي وسلوكه التربوي، كما تعلمنا من متن ابن عاشر:
وبعد فالعون من الله المجيد ... في نظم أبيات للأمي تفيد
في عقد الأشعري وفقه مالك ... وفي طريقة الجنيد السالك
وهذه الاشارة في هذا الباب أثيرها قصدا، لما يحصل من التأثر بالمناهج الأخرى داخل الكتاتيب القرآنية، وهي غير ضارة في حد ذاتها، بقدر ما تنتج لنا من أناس يختلفون مع غيرهم فيما تعلموه وتربوا عليه في البلد الواحد. إذ تلقي الرأي الآخر ومعرفة الخلاف العالي وباقي المذاهب لا يضر مع مستقبل الأيام، لكن في هذه المراحل الأولية من التعليم بالكتاتيب، يُحتاج الى توحيد الرأي والمذهب والفقه أثناء الشرح والتوجيه. مما يقتضي توفر الكتاتيب على مؤطرين لهم نفس التوجه الفكري والعقدي، فالتعليم بالقدوة له أكبر الأثر في نفسية المتلقي، فإن غاب الأمر عن المقتدى به فلا يمكننا انتظاره من المقتدي.
هـ-الحرص على تعليم اللغة العربية مع حفظ القرآن:
¥