تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقد سخر أبى لهب ماله وما كسبه لمحاربة الله ورسوله فكان يفتدي آلهته بكل شيء كي يصد المؤمنين عن الدخول واللحاق بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم حيث جاء في تفسير ابن عاشور أنه " روي عن ابن مسعود أن أبا لهب قال: «إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فأنا أفتدي نفسي يوم القيامة بمالي وولدي» فأنزل الله: {ما أغنى عنه ماله وما كسب} "

هذا الإستهزاء والسخرية والتقليل من قدر الله ورسوله، وطغيان الشك والضلال على قلبه الذي تغلف بجدار الآثام والذنوب يُظهر كم سيصدر منه الطغيان في عداوة الدين وكم سيمكر من مكر محاولا استنزاف طاقته كي يوقف بزوغ ذلك النور.

فعندما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوة النور التي أراد أن يُخرج بها الناس مما غرقوا به من الضلال والشرك ليدخلوا سفينة النجاة ليبحروا في بحر نور الله وتوحيده، فدعا الناس لإيمان بالله ونبذ الشرك وأهله وأن لا يُتخذ غير الله إلها وربا ولا يُشرك معه أحدا، ووعد كل من آمن وأسلم لله بالجنة والفوز العظيم إن أحسنوا واتقوا، فدعاهم للارتباط بحبل الله المتين والعض عليه بالنواجذ فهو الحبل الذي سيَشُدَ عضد كل من استمسك به ليأخذه إلى طريق الصراط المستقيم، وما سواه سيكون طريقا للهلاك والخسران المبين، فكان أبا لهب وزوجته من السبّاقين المسارعين لقطع ذلك الحبل عن أنفسهم فأبوا أن تربط قلوبهم ويحُكم وثاقها بحبل حب الله وحسن عبادته وطاعته فاتبعوا الهوى والشيطان فقطعوا بأيديهم حبل الوصال والود والقرب من الله ومصاحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفتلوا حبلا زائفا حول أعناقهم فأحكموا وثاقه ليسحبوا به إلى نار ذات لهب بسبب معاندتهم وطغيانهم وخاصة أن الدعوة كانت في بدايتها للانطلاق وتحتاج لمن يشدها ويؤيدها، ورغم أن أبا لهب وزوجته كانوا أقرب الناس للنبي سواء بجيرته أو قرابته وأعلمهم بصدقه وعلو خلقه ما نفعهم ذلك في شيء بل حرفوا ما عرفوه بالقول الكاذب، وما أشفقوا على أنفسهم فجنبوها مصارعة الحق وبذل الجهد لإيقاف نور الإسلام ولو أنهم انعزلوا مبتعدين بأنفسهم عن إشعال فتيل الفتن في قلوب الناس لعلهم كانوا نجوا مما كتبه الله عليهم، ولو كان حراكهم وجهدهم مؤيدا ومسارعا نحو خدمة الحق وأهله وسخروا أموالهم وأولادهم ومكانتهم لذلك الدين لكان ذلك هو الفلاح العظيم، ولكن الله العالم بأحوال وقلوب عباده المطلع على ما سيكون منهم فعلم أن لن يكون منهم ذرة خير لهذا الدين ولن ينتفع أحد منهم بشيء بل كل ما سيكون منهم هو الفساد وإشاعته بين الناس فكان ذلك الوعد بالتنكيل بهم إلى يوم الدين وهذا من أعظم معجزات القرآن العظيم.

يقول ابن عاشور في تفسيره حول «يصلى ناراً» " يُشوَى بها ويحس بإحراقها. وأصل الفعل: صلاهُ بالنار، إذا شواه "

وقول الله سبحانه وتعالى (تبت يدا أبي لهب وتب)

فمن معنى التباب كما جاء في كتاب الصحاح في اللغة أنه: الخُسْرانُ والهَلاكُ. تقول منه: تَبَّ تَباباً، وتَبَّتْ يداهُ. وتقول: تَبَّاً لفلانٍ، تَنْصِبُهُ على المصدر بإضمار فِعْلٍ، أي ألْزَمَهُ الله هلاكاً وخُسراناً. وتَبَّبوهُمْ تَتْبيباً، أي أهْلَكوهُمْ. واسْتَتَبَّ الأمْرُ، تَهَيَّأَ واستقامَ.

يقول الإمام الرازي في تفسيره حول معنى تبت

" تبت خسرت، والتباب هو الخسران المفضي إلى الهلاك، ومنه قوله تعالى: {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} [هود: 101] أي تخسير بدليل أنه قال في موضع آخر: {غير تخسير} "

فالإنسان من الممكن أن يخسر جزء ما من ماله أو مما اكتسبه ولكن لا يؤدي ذلك لهلاكه بل يكون سببا لصحوته من غفلته، أو من الممكن أن يخسر بعض الأشياء المهمة ولكن يكون مقابلها أشياء اكتسبها حفظت توازنه وعدم الهلاك، لكن أبا لهب وزوجه لم يبقيا لهم فرصه واحدة للربح والكسب النافع الذي يوقف الخسارة المستمرة بهما فكانت نتيجتهما الهلاك الماحق لهما والذي لا أمل للنجاة فيه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير