تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وتخصيص يدا أبا لهب بالهلاك يدل ذلك على عظم ما اكتسبه وفعله في الصد عن الحق والإيمان، فاليدين رمز للكسب والفعل والحركة، فكان يفعل بهما الشيء الكثير الذي يعيق به سير مركب الإيمان، واستخدمهما في شد حبل الضلال والفساد وتحكيم شده على كل من حاول أن يتبع دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، فجسده كله هالك وليس فقط يديه ولكن رمز اليدين لما تحمل فيهما من معاني الكسب والفعل التي ذكرناها سابقا.وأن يلقب أبا لهب بهذا اللقب المشابه لصفة من صفات النار بالاشتعال والاحتراق فهذا يدل على أن فعله وصفاته كانت تتشابه مع صفات النار ولهبها لما تحرق من الأشياء المحيطة بها إن اقتربت منه فهو كان يحرق كل ما ينفع وما يؤدي للصلاح في الأرض وينشر الفساد والفتن في كل مكان، وأن يُطلق عليه ذلك اللقب يدل أن الألقاب تطلق على ما يظهر من سلوكيات الإنسان وطباعه وصفاته السلبية المأخوذة من صفات النار ولهبها، ولعل شدة حدته وانفعاله وحقده على الدين كان كالنار الحارقة التي اشتعلت لتدمر ما حولها.

وجاء في تفسير الإمام الرازي حول استخدام اليد

" لعله إنما ذكر اليد لأنه كان يضرب بيده على كتف الوافد عليه، فيقول: انصرف راشداً فإنه مجنون، فإن المعتاد أن من يصرف إنساناً عن موضع وضع يده علي كتفه ودفعه عن ذلك الموضع ورابعها: عن عطاء تبت أي غلبت لأنه كان يعتقد أن يده هي العليا وأنه يخرجه من مكة ويذله ويغلب عليه وخامسها: عن ابن وثاب؛ صفرت يداه على كل خير، وإن قيل: ما فائدة ذكر اليد؟ قلنا: فيه وجوه أحدها: ما يروى أنه أخذ حجراً ليرمي به رسول الله، روي عن طارق المحاربي أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق يقول: «يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، ورجل خلفه يرميه بالحجارة وقد أدمى عقبيه، لا تطيعوه فإنه كذاب، فقلت: من هذا، فقالوا: محمد وعمه أبو لهب» "

وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)

الجزء الثاني للسورة يمثل المرأة شديدة القسوة التي فرغت قلبها من عواطفها ورقتها الأنثوية لتملئه بمشاعر الحقد والحسد المندفعه من اعتقاداتها الوهمية والخرافية الباطلة والتي ورثتها عن أبائها وجاهليتها، أو اندفعت بها نتيجة خوفها على مكانة زوجها وجاهه بين الناس وكثرة ملكه إن اتبع دعوة الحق وصار وراء هديه صلى الله عليه وسلم، إنها المرأه التي صَلّبت عنقها بغرورها وكبرها وإغوائها لتنشر الفساد من حولها وتعين زوجها على النجاح في دعوته مع الباطل فكانت تقف صفا بصف إلى جواره لتُثبتَ أقدامه بدل أن تكون رقيقة بإحساسها ومشاعرها فتسابق للإيمان وتحث زوجها للحاق بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنها النفوس الخبيثة المتناسبة معا قد اجتمعت لتشترك في جريمة الضلال وإعلان الحرب الهوجاء على الإسلام ولتحرق أجسادهما في نار جهنم ولتبقى عشرتهما دائمة ليتحسرا معا على ما كانا عليه في الدنيا ويكون كل منهما من دفع بصاحبه للهلاك فعندها لا ينفع الندم ولا الملامة.

إنها المرأة التي فسدت فطرتها من خلال ما زينت لها نفسها من زهرة الحياة الدنيا، فعميت عن رؤية الحق بنور بصيرتها، وأغلقت مداركها عن التفكر في هذا الوجود الذي لا بد له من زوال وأن الغيب المنتظر عند الله أعظم وأجل أن يطمع ويجاهد فيه، فهي القائدة المدبرة من وراء زوجها من خلال إغوائه بزيادة الشدة والقسوة والظلم والعدوان على محمد صلى الله عليه وسلم بدل أن تكون له كالأم الرحيم ويكون عمه كالأب الحنون، لقد لبست حُليها وزينتها وخرجت لتظهرها للملأ وما حجبت نفسها بالستر والحياء بل كانت تطوف وتتبع خطوات زوجها لتلاحق خطوات الحق أينما ذهبت لتشعل نار الفتنه والصد عن إتباع الإيمان، فقد لعبت امرأة أبى لهب دورا عظيما وقويا في الصد عن دعوة الحق ومحاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال جمالها ومكانتها عند زوجها واعتزازها بنسبها وأهلها فهي أخت أبا سفيان وهو من عظماء وصناديد قريش.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير