تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وتتدرج الكلمة في قياسيتها وضبطها المحكم من التركيب الثلاثي إلى الرباعي إلى الخماسي، ومن المجرد إلى المزيد: مثال الأسماء الثلاثية المجردة: فَلْس وفَرس وكتِف وعضُد وحَمَل وعِنب وإِبل وقُفْل وصُرَد وعُنُق ودُئِل. ومثال الأفعال الثلاثية المجردة: ضرَب وجلس ونصر وعلم وحسب وكرم (أبواب الفعل الثلاثي الستة).

وإذا قلّبت كتاب المزهر للسيوطي في جزئه الثاني هالتْكَ تلك الكثرة الكاثرة من أوزان الأسماء، عنوانَ ثراء آلة اللسان العربي الذي يكاد يستحصي أوزان (الأسماء كلها).

وزمام الكلمة في العربية بيد الحروف المجردة (من داخل الكلمة)، التي تدور حولها الزوائد والعلل والبدائل .. بخلاف غيرها من كلم اللغات الأخرى فزمامها بيد المتكلم (أيْ: من خارج الكلمة).

هذا في الكلمة من الجهة اللفظية التي هي سعة في طواعية .. فما الجهة المعنوية؟.

اللسان الأوسع المطواع!

قبل الانتقال إلى نحو الجملة لنرى ما فيه من فضائل .. لا بد أن نستجلي أمراً فضيلاً ثالثاً من فضائل الكلمة العربية، قد يخفى من نحو الكلمة، وهو لا يكاد يكون إلا في العربية.

هذا الأمر يتجلى في الموروث الضخم من الكلم العربي، في العلم الذي سمي متن اللغة (ومتن الشيء: ظَهْره الذي يعتمد عليه)، الذي هو قاعدة ما سلف من الكلام عن آلة التجريد والتصريف والجمود والاشتقاق، وقاعدة ما يأتي من أنحاء وآلات.

ذلك العلم الذي أحاطت به المعجمات العربية، ابتداء من معجم العين المنسوب إلى الخليل، إلى المعجم الوسيط الذي صنعه مجمع القاهرة، حتى استوى معجم اللسان العربي موثقاً بالنقل منظماً بالعقل واضحاً كالشمس. ولا زال العلماء يستدركون على هذه الكتب.

امتد بناء المعجم العربي في الكتب منذ بدأ التدوين مع القرن الهجري الأول إلى الآن (أي: أربعة عشر قرناً) بغير انقطاع، فاجتمع له من العراقة والتهذيب والإحاطة والصحة والبراعة والخصوصية واللسن والتبحر والاستدراك والإحكام لم ينلها معجم آخر من آثار الألسنة الأخرى، حتى بدا للناس في أبهى حلة وأجمل زينة وأنضر تاج على أحلى عروس.

والأمر الذي أريد أن نستجليه هنا هو أن هذا (المتن) انبنى بأصوات كلام العرب، التي سلفت، وأن تلك الأصوات المؤلفة في كلمات كانت مفصّلة على أسس رفيعة من الحكمة والانسجام والتناظر والقياس، الذي يحكم أبوابها وفصولها وتقاليبها ومقاييسها وحروفها ودلالاتها، حكمة تُدخل إلى العقل الريب في أنه من اصطلاح بشر، لا يزالون يختلفون.

ونظرة إلى أول معجم حاول جمع أبنية العربية، وهو معجم العين المنسوب إلى الخليل بن أحمد (-175)، تكشف أن الخليل الذي كان سبب وضع أصل هذا الكتاب وراسم خطة أبوابه (منهجه)، وتلميذه الليث بن المظفر (-180) الذي تممه قد بنياه على أمرين، ووُفّقا فيهما كل التوفي، وكان منهجه:

(1) أن ترتب حروفه على ترتيبها الصوتي بدءاً من الجوف وانتهاءً بالشفتين والخيشوم.

(2) أن يركب من هذه الحروف كلمات، تقلب أصولها الستة وما يتصرف منها، حتى يأتي على كل الأصول، دالة في تقاليبها الستة على مدلول واحد عامّ.

فمثلاً (سَلِم) تُقْلب إلى: سَمل، ملم، ملس، ملل، لمم = الإصحاب والملاينة ...

وتبعه على هذا النهج الأزهري في التهذيب، والقالي في البارع، والصاحب في المحيط، وابن سيده في المحكم.

وكان البحث في هذه الدواوين الكبيرة مركزاً في تثبيت تفاصيل المنهج وتصحيح المواد وإحكامها، حتى قال ابن منظور في اللسان: ما رأيت أجمل من التهذيب للأزهري، ولا أكمل من المحكم لابن سيده.

النهج الأصعب .. الأعمق

أنبه أن اختيار الخليل بن أحمد لطريقة التقليب هذه هو اختيار للأصعب لا للأسهل، كما لا يخفى، ولا أحسب (شهيد التعليم والتيسير!) عدل عن الأسهل إلى الأصعب إلا لحكم في نفسه، أظهرها في مواضع من العين كما قال ابن فارس.

قال ابن فارس إن الفضل في بناء معجمه (المقاييس) يعود إلى الخليل وإشاراته في كتابه.

وجاء أبو الفتح بن جني (-392)، تابعاً أبا علي الفارسي، فلفت النظر إلى حكم ترتيب معجم العين للخليل، وسمى ذلك الترتيب تقليباً [الخصائص 2/ 134 - 139]، فتكلم عن الاشتقاق، وعدّه واحداً من خصائص العربية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير