فقال الأستاذ: "مظلوم ابن عبّاس! فقد قال ما قال وهو يسأل عن الأمويّين: أنّهم يحكمون بغير ما أنزل الله، فما القول فيهم؟ وما من أحد على الإطلاق قال عن الأمويّين إنّهم كفّار! فقد كانوا يحكّمون الشّريعة في عموم حياة النّاس؛ ولكنّهم يحيدون عنها في بعض الأمور المتعلّقة بسلطانهم؛ إمّا تأوّلاً، وإمّا شهوة؛ ولكنّهم لا يجعلون مخالفتهم تشريعاً مضاهياً لشرع الله، فقال فيهم ابن عبّاس: إنّه كفر دون كفر. فهل كان يمكن لابن عبّاس أن يقول هذا فيمن ينحّي الشّريعة الإسلاميّة أصلاً، ويضع بدلاً منها قوانين وضعيّة؟! " ([7] ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?p=127745#_ftn7)).
وما ذهب إليه قطب –حفظه الله– وضّحه ابن عبّاس –رضي الله عنهما– نفسه؛ كما ذكر ذلك الإمام القرطبيّ –رحمه الله– في تفسيره قوله: " ? ? ہ ہ ہ ہ"، فقد فعل فعلاً يضاهي أفعال الكفّار" ([8] ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?p=127745#_ftn8)).
الوقفة الثّالثة: العبرة بعموم اللّفظ: لقد بحث علماء الأصول في أسباب نزول القرآن الكريم، وورود الحديث الشّريف، والألفاظ العامّة الّتي وردت بناء عليها، وقرّروا: أنّ العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، وقد ساق الإمام الشّاطبيّ –رحمه الله– قوله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" مثالاً لهذه القاعدة الأصوليّة، فقال: "مع أنّها نزلت في اليهود، والسّياق يدلّ على ذلك، ثمّ إنّ العلماء عمّوا بها غير الكفّار" ([9] ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?p=127745#_ftn9)). ولولا هذه القاعدة؛ كما يقول الدّكتور القرضاويّ: "لعطّلت أحكام كثيرة نزلت بسبب حوادث خاصّة في عهد النّبوّة.
صحيح أنّ سياق الآيات في أهل الكتاب؛ لأنّها جاءت بعد الحديث عن التّوراة والإنجيل؛ ولكن يلاحظ أنّها جاءت بألفاظ عامّة، تشمل كلّ من اتّصف بها من كتابيّ أو مسلم.
ولا يقبل عقل عاقل أن تكون التّعقيبات المذكورة خاصّة باليهود أو بالنّصارى وحدهم، بمعنى أنّ الحكم بغير ما أنزل الله من اليهودي والنّصرانيّ كفر وظلم وفسوق، ومن المسلم لا يعدّ كذلك" ([10] ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?p=127745#_ftn10))
ويؤكّد ذلك ما أخرجه الطّبريّ وابن أبي حاتم قال: "ذكرت هذه الآيات عند حذيفة " ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ" و "?"و " چ" فقال رجل: إنّ هذا في بني إسرائيل.
قال حذيفة: نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل أن كان لكم كلّ حلوة، ولهم كلّ مُرّة، كلا والله لتسلكنّ طريقهم قدر الشّراك" ([11] ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?p=127745#_ftn11)).
الوقفة الرّابعة: الإجماع على وجوب الحكم بما أنزل الله: "إنّ الّذين قالوا: إنّ الآيات نزلت في أهل الكتاب من اليهود والنّصارى، وهم أهل التّوراة وأهل الإنجيل، لا يعنون أنّ الحكم بما أنزل الله في القرآن ليس بواجب على المسلمين، فهذا غير متصوّر أن يصدر من مسلم عاديّ؛ ناهيك بفقيه أو مفسّر لكتاب الله، فلماذا أنزل الله كتابه إذن إن لم يكن الحكم بما تضمنه من شرائع وأحكام واجباً ملزماً؟
كلّ ما في الأمر أنّ بعضهم أراد أن يفرّ من قضيّة التّكفير، فقال ما قال. ولكن لم يخطر ببال أحد منهم أنّ الحكم بما أنزل الله غير لازم" ([12] ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?p=127745#_ftn12)).
ومن هنا قال الإمام الطّبريّ؛ الّذي نقل أقوال السّلف في تفسيره، وأيّد من ذهب إلى أنّها نزلت في كفّار أهل الكتاب أوجب الحكم بما أنزل الله فقال: "فإن قال قائل: فإنّ الله تعالى ذكره قد عمّ بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله، فكيف جعلته خاصّاً؟
قيل: إنّ الله تعالى عمّ بالخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله الّذي حكم به في كتابه جاحدين، فأخبر عنهم أنّهم بتركهم الحكم، على سبيل ما تركوه كافرون. وكذلك القول في كلّ من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً به، هو بالله كافر؛ كما قال ابن عبّاس؛ لأنّه بجحوده حكم الله بعد علمه أنّه أنزله في كتابه نظير جحوده نبوّة نبيّه بعد علمه أنّه نبيّ" ([13] ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?p=127745#_ftn13)).
([1]) محمّد قطب، واقعنا المعاصر، مرجع سابق، هامش ص334.
([2]) القرضاوي، من فقه الدولة، مرجع سابق، ص105 - 106.
([3]) القرضاوي، من فقه الدولة، مرجع سابق، ص105 - 106.
([4]) أي: تخاف.
([5]) الطّبريّ، جامع البيان، مرجع سابق، جـ4 ص252 – 253،وانظر: تعقيب الشيخ محمود محمّد شاكر-رحمه الله-على هذين الأثرين في تحقيقه لتفسير الطّبريّ، ط. دار المعارف، مصر، جـ10 ص348 – 349، والقرضاوي، من فقه الدولة، مرجع سابق، ص106 - 107.
([6]) القرضاوي، من فقه الدولة، مرجع سابق، ص106.
([7]) محمّد قطب، واقعنا المعاصر، مرجع سابق، هامش ص334.
([8]) القرطبيّ، الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق، جـ3 ص136.
([9]) الشّاطبيّ، الموافقات في أصول الشريعة، شرح: عبد الله دراز، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411هـ – 1991م، جـ3 ص211.
¥