وإذا كان الجواب صحيحاً، فنقول: ما وجه عطف قوله تعالى: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً عليه؟
ثم قال رحمه الله تعالى في الصفحة 64:
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 15 / ص 64)
ثُمَّ قَالَ: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} وَالضَّمِيرُ فِي (مِنْهُ) عَائِدٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَيْ: وَيَتْلُو هَذَا الَّذِي هُوَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ شَاهِدٌ مِنْ اللَّهِ وَالشَّاهِدُ مِنْ اللَّهِ كَمَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا الْمَذْكُورَةَ مِنْ اللَّهِ أَيْضًا.
ثم قال رحمه الله تعالى:
(ويتلوه) معناه يتبعه.
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 15 / ص 70)
ثم قال رحمه الله تعالى:
فتبين أن قوله: {أفمن كان على بينة من ربه} يعني هدى الإيمان (ويتلوه شاهد منه) أي من الله يعني القرآن شاهد من الله يوافق الإيمان ويتبعه وقال: (يتلوه) لأن الإيمان هو المقصود؛ لأنه إنما يراد بإنزال القرآن الإيمان وزيادته.
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 15 / ص 71)
ثم قال رحمه الله تعالى:
ولهذا جعل الإيمان " بينة " وجعل القرآن شاهدا؛ لأن البينة من البيان و " البينة " هي السبيل البينة وهي الطريق البينة الواضحة وهي أيضا ما يبين بها الحق فهي بينة في نفسها مبينة لغيرها.
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 15 / ص 72)
ثم قال رحمه الله تعالى:
فالقرآن وافق الإيمان والآيات المستقبلة وافقت القرآن والإيمان؛ ولهذا قال: {ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة} فقوله: {ومن قبله} يعود الضمير إلى الشاهد الذي هو القرآن كما قال تعالى: {قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله} الآية ثم قال: {ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة} الآية. فقوله {ومن قبله} الضمير يعود إلى القرآن أي: من قبل القرآن كما قاله ابن زيد. وقيل: يعود إلى الرسول كما قاله مجاهد وهما متلازمان. وقوله: {ومن قبله كتاب موسى} فيه وجهان قيل: هو عطف مفرد وقيل: عطف جملة. قيل المعنى {ويتلوه شاهد منه} "ويتلوه أيضا من قبله كتاب موسى فإنه شاهد بمثل ما شهد به القرآن وهو شاهد من الله وقيل: {ومن قبله كتاب موسى} جملة؛ ولكن مضمون الجملة فيها تصديق القرآن كما قال في الأحقاف."
وقوله تعالى {أولئك يؤمنون به} يدل على أن قوله: {أفمن كان على بينة من ربه} تتناول المؤمنين فإنهم آمنوا بالكتاب الأول والآخر كما تتناول النبي صلى الله عليه وسلم وأولئك يعود إليهم الضمير فإنهم مؤمنون به بالشاهد من الله فالإيمان به إيمان بالرسول والكتاب الذي قبله.
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 15 / ص 74)
ثم قال رحمه الله تعالى:
ثم قال: (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) .......
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 15 / ص 75)
ثم أورد حديث عن الإمام أحمد رحمه الله يستشهد به على أن المراد بالأحزاب الملل كلها.
ولكنه لم يذكر على ما يعود الضمير في قوله" ومن يكفر به"
ولكن يفهم من كلامه أنه يعود على الشاهد وهو: القرآن وكتاب موسى.
وفي الصفحة 77 قال رحمه الله:
"وهذه الآية تقتضي أن الضمير يعود إلى القرآن في قوله: {ومن يكفر به} وكذلك: {أولئك يؤمنون به} إنه القرآن ودليله قوله تعالى {فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك} وهذا هو القرآن بلا ريب وقد قيل: هو الخبر المذكور وهو أنه من يكفر به من الأحزاب وهذا أيضا هو القرآن فعلم أن المراد هو الإيمان بالقرآن والكفر به باتفاقهم وأنه من قال في أولئك إنهم غير من آمن بمحمد لم يتصور ما قال."
إلى هنا نخلص من كلام بن تيمة رحمه الله:
أن "من" لفظ عام يدخل تحته كل مؤمن.
والبينة: هي الإيمان.
ويتلوه: يتبعه أي: الإيمان.
والشاهد: هو القرآن
" (ويتلوه شاهد منه) أي من الله يعني القرآن شاهد من الله يوافق الإيمان ويتبعه"
(ومن قبله كتاب موسى) ويتلوه أيضا من قبله كتاب موسى فإنه شاهد بمثل ما شهد به القرآن وهو شاهد من الله.
أولئك يؤمنون به: أي المؤمنون الذين هم على بينة من ربهم يؤمنون بالقرآن وبكتاب موسى.
وبهذا يكون معنى الآية حسب تفسير شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:
"أفمن كان على بينة من ربه" أي كل مؤمن "ويتلوه شاهد منه" ويشهد على إيمانه القرآن من ربه " ومن قبله" شاهد أيضاً على إيمانه " كتاب موسى"
" أولئك " كل مؤمن " يؤمنون به" أي بالشاهد وهو القرآن وكتاب موسى.
"ومن يكفر به" أي من يكفر بالشاهد.
وهذا مخالف لتفسيره للآية في أول الفصل في صفحة 64.
هذا ما تيسر تلخيصا لكلام بن تيمه رحمه الله حيث حذفت استطراداته.
ويبقى إن شاء الله تعالى رده على الأقوال الأخرى، لعل الله ييسر تلخيصها.