تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

خَلَفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ! () - الثالث: انقطاع تدريس العلم الشرعي على وجهه الحقيقي؛ بما أدى إلى انقطاع تخرج العلماء بالمفهوم الأصيل للكلمة. فقد عانت الجامعات الإسلامية والمعاهد الشرعية عبر أغلب أقطار العالم الإسلامي – إلا قليلا - من أزمة ما سُمِّيَ بقضية (تحديث) أو (إصلاح) برامج التعليم، وذلك عبر فترات ومراحل متتاليات، تدرجت – مع الأسف - من الأعلى إلى الأدنى! بما أخرجها عن وظيفتها الحقيقية، وعَقَّمَ رحمها تعقيما! فوجب تنبيه طلبة العلم إلى ما ينبغي انتهاجه للتحقق بمفهوم "العَالِمِيَّةِ"، ولو على طريق العِصَامِيَّةِ، وإحياء عزيمة الرحلة في طلب العلم؛ لتتبع ما بقي من عناصر هذا المعنى العظيم في البلاد، وصياغته في حيوية علمية جديدة، بجيل رباني جديد. - الرابع: تَرَامِي عَدَدٍ من أهل الأهواء والنوازع السياسية على وظيفة العَالِمِيَّةِ، والتلبس بمفهومها بغير حق؛ إذْ صارت حقيقتُها غريبةً بين الناس؛ حتى صار من الصعوبة لدى العامة تمييزُ العَالِمِ من غير العالِم. وتداخلت في الأذهان مفاهيمُ كثيرة، كمفهوم الواعظ، والداعية، والأستاذ، والمثقف، وهلم جرا. والحقيقةُ أنَّ كُلَّ وَصْفٍ من أولئك ليس بالضرورة يَسْلُكُهُ في مفهوم: (العالِم)! فأدى هذا الاختلاط إلى كثير من المفاسد بما حدث من الترامي على وظيفةٍ من أخطر الوظائف في الأمة! ألاَ وهي وظيفة الإفتاء؛ لِمَا يتنج عنها – إنْ لم يُتَقَّ اللهُ فيها - من غلو في الدين، كآفة التكفير بغير حق، وسفك الدماء، وانتهاك الأعراض، واستباحة أموال الناس، واغتصاب أمنهم وأمانهم! أو آفة الغلو المضاد، كالتسيب الْمُمَيِّعِ للدين، والتجرؤ على استباحة المحرَّمات القطعية؛ استنادا إلى ما يشبه الدليل وليس بدليل! والقولِ على الله بغير علم! والإفتئات على النصوص الشرعية بما لم تنطق به، وبما لم تُسَقْ إليه أصالةً ولا تَبَعاً .. ! زاد الطينَ بلةً أنَّ طائفةً ممن انتسبوا إلى العلم الشرعي؛ تعلما وتعليما؛ لم يأخذوا منه إلا أشباحَ معارفَ وأشكالَ أحكامٍ؛ دخلوا بها في جَدَلٍ عقيم مع الناس، غير مراعين حالَ الزمان وأهله؛ فنفَّرُوا أكثر مما يسروا، وبددوا أكثر مما جددوا .. ! وقد عُلم أنما العلمُ الحقُّ تربيةٌ وأخلاقٌ، وأن «العلم بأمر الله» لا يكتمل حتى يكون «علما بالله»! كما سيأتي بيانُه بحول الله. وكم من شخص اشتغل بالعلم، فانحرط به – قبل أن يتمكن من حِكْمَتِهِ - في تبديع الناس وتفسيقهم، أو ربما تكفيرهم؛ بما بَدَا لَهُ من هوة وفروق بين حقائق النصوص وحياتهم. وقد عُلِمَ بَدَاهَةً أنَّ العِلاَجَ ليس في أن تقول للمريض: «يَا مَرِيضُ .. !» فسقط فيما حَذَّرَ الناسَ منه، من ابتداع منهجي مُدَمِّرٍ! وذلك بما أتلف من موازين المنهج الشرعي في الاشتغال بالعلم؛ تربيةً وتزكيةً! ووقعت عليه عِلَّةُ الغضبة النبوية المنهجية، عندما انتهر رسولُ الله صاحبَه بما أطال على الناس في صلاته، فقال له صلى الله عليه وسلم: (أَفَتَّانٌ أنْتَ .. !؟) (). هذا من جهة. ومن جهة أخرى؛ وفي ظروف غياب المفهوم الحقيقي "لِلْعِلْمِ" و"الْعُلَمَاءِ"، في زمان تداخل المصطلحات، واطضراب المفاهيم؛ تَصَدَّى كثير من عشاق "النجومية" ومحبي الزعامات؛ لمجال "العمل الإسلامي التنظيمي"، مستغلين حالة الفراغ العلمي التي تعاني منها الأمة في مجمل بقاعها! وتخلي من بقي من العلماء عن دورهم التاريخي في حمل رسالة التجديد؛ بما رضوا – مع الأسف - من متاع الحياة الدنيا! إلا من رحم الله منهم، وقليل ما هم! () فتَصَدَّرَ الأدْعِيَاءُ واجهةَ العمل الإسلامي، محققين نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم بما عُرِفَ في السنة بحديث (قَبْضِ الْعِلْمِ)، الواقع في فتنة آخر الزمان: (إن الله تعالى لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزِعُهُ من العبادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حتى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِماً؛ اتَّخَذَ الناسُ رُؤُوساً جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا .. !) () وقد تَرْجَمَ الإمامُ البخاري لهذا الباب ترجمةً فيها من العلم والحكمة الشيء الكثير، مما لو تَدَبَّرَهُ المرء لخرج منه بفقه عظيم؛ يُبَصِّرُهُ بطبيعة الأزمة في زماننا هذا حقا! قال رحمه الله: (باب كيف يُقْبَضُ العلم،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير