لقد كررت هذه الآية بلفظها في سورة الأعراف، وفي سورة الشعراء، وأما في سورة طه فقد قدم هارون على موسى فقالوا (رب هارون وموسى)، ويقول العلماء: إن ذلك من مراعاة الفاصلة؛ ولأن الواو لا توجب ترتيبا، وهو قول كل من الإمام النسفي، والشنقيطي، والشوكاني، أبو السعود، وابن المظفر السمعاني، وابن عطية، وقول ابن عاشور في التحرير والتنوير.
وقال الخفاجي في حاشيته على البيضاوي (حاشية ابن شهاب): لما قدم موسى في الأعراف وهو الظاهر؛ لأنه أشرف من هارون، والدعوة والرسالة إنما هي له، فتقديمه على الأصل، لا يحتاج إلى نكتة، وإنما المحتاج إليه تأخيره كما هنا، فلذا أشار إليه بما ذكره، …. وتقديمه ثمة يدل على أن ليس في الترتيب نكتة، لا سيما والواو لا تقتضي ترتيبا ......... ، وكون الواو لا تفيد الترتيب لا يستلزم أنه ليس لتقديمه نكتة، إذ مثل الكلام المعجز لا يعدل فيه عن الأصل لغير داع.
وقد رد البقاعي هذا القول، كلية، أعني قول من قال إن تقديم هارون هنا جاء مراعاة للفاصلة، بكلام نفيس، ذكرت قريبا منه قول الخفاجي في آخر ما نقلت عنه.
والذي يظهر لي – والله أعلم – أن مراعاة الفاصلة ليست مهمة لدرجة التغيير هذه، وفي السورة ما يثبت ذلك، وإن كانت مرادة أيضا. إلا أن السبب فيما يبدو، أن هذه السورة هي السورة الوحيدة التي واجه فيها هارون قومه بشيء من الرسالة، فإنك تقرأ القرآن وترى كفاح موسى، ودعوة موسى، وعناية موسى بقومه، وطلبه لنبوة هارون، ووصيته لهارون، فإذا ما قرأت سورة طه رأيت فيها قوله لقومه (يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري) ومن هذا تلحظ أن تقديم هارون على موسى في الآيات هنا أبلغ في إقامة الحجة على بني إسرائيل، إذ زعموا إيمانهم به، فلما أمرهم ونهاهم قالوا (لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى) فما قيمة إيمانكم بهارون إذا؟ يظل اليهود يهودا إلى قيام الساعة.
وأيضا: فإن السياق في سورتي الأعراف والشعراء مؤذن بتقديم موسى عليه السلام؛ لأنه قال في الأعراف {وقال موسى يا فرعون إني رسول رب العالمين} كما قال في الشعراء {فقولا إنا رسول ربك} بخلاف سورة طه ففيها إثبات رسالة هارون لا مجرد النبوة، كما قال {فقولا إنا رسولا ربك} وفي السورتين قال فيهما {قالوا أرجه وأخاه} فقدموا موسى عليه السلام على نفس السياق. والله تعالى أعلم.
ـ[عمر المقبل]ــــــــ[01 Nov 2006, 12:36 ص]ـ
سمعت شيخنا العثيمين ـ رحمه الله ـ يذكر أن السبب هو مراعاة فواصل الآي.
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[01 Nov 2006, 08:14 ص]ـ
ما أحسن ما انتضم في هذا المقام من كلام الإخوة الكرام، ولعلي أدلي بسَجْلي (دلوي) معكم، فأقول:
1 ـ إن المصطلحات لا تغير حقائق المعاني، وقد رفض قوم مصطلح السجع بدعاوى لا تقوم عند الاحتجاج، والقول به هو الصحيح؛ إذ هذه التسمية لا منقصة فيها، وإنما يتوجه النقص إلى السجع المتكلف كسجع الكهان الذي يُدخل في الكلام ما لا فائدة فيه من أجل إتمام السجع لا غير، والقرآن منزه عن مثل هذا قطعًا.
2 ـ إن رعاية الفاصلة (السجع) في القرآن تابعة للمعنى، ولها مقامان:
الأول: أن يكون إيثار الكلمة وعدمها في المعنى سواء، فيكون اختيار السجع أولى، وذلك في مثل قوله تعالى: (ما ودعك ربك وما قلى)، فلو قيل: وما قلاك، لكان له المعنى نفسه في (قلى)، فكان في اختيار (قلى) مزية توافق الفواصل.
الثاني: أن يكون المقام يقتضي تلك الفاصلة، كما هو الحال في السؤال المطروح، وله جانبان:
الجانب الأول: سبب اختيار هذه الفاصلة في سورتي الأعراف والشعراء، ومخالفتها في سورة طه، وقد مرت إجابة هذا في بعض المشاركات السابقة.
الجانب الثاني: كون الحدث واحدًا، والتعبير عنه مختلفًا، وهذا يرد في بعض القصص القرآنية، وهو محل بحث لطيف جدًا، وأما ما يتعلق بالمقام في مثل هذا الموضع، فظهر لي جواب، وهو أن عدد السحرة كثير، ولا يُتوقع في مثل هذا المقام أن يتحد تعبيرهم عن إيمانهم ـ بلا مواطأة مسبقة ـ فيقولون قولاً واحدًا، وهذا ظاهر من فعل البشر، فأنت تسمع عبارات الاندهاش والانفعال من موقف واحد يحضره جمع، فلو حكيت ما قالوه، فحكيت مرة ما قاله بعضهم، وحكيت مرة ما قاله أخرون غيرهم لما كنت كاذبًا، وإن نسبته إليهم على جهة العموم.
والذي يظهر لي أن السحرة بمجموعهم قالوا هذه الجمل: (آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون) (آمنا برب هارون وموسى)، فحكى الله في كل مقام ما يناسب المعنى والفاصلة، والله أعلم.
ـ[جمال أبو حسان]ــــــــ[01 Nov 2006, 10:22 ص]ـ
لكن يا ابا عبد الملك لا يزال السؤال قائما وهو لم اختيرت تلك العبارة في سورة طه دون غيرها
واما ما ذكرتموه حول (ما ودعك ربك وما قلى) فالوجه فيه ما ذكرته بنت الشاطيء في كتابها التفسير البياني ولعله ذكر ايضا في كتابها الاعجاز البياني
لا حرمنا الله من فضائلكم
¥