تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبو عمر السوري]ــــــــ[04 Nov 2006, 12:10 ص]ـ

جزاك الله خيرا

ـ[مروان الظفيري]ــــــــ[05 Nov 2006, 07:34 م]ـ

ومن العرفان بالحق أن نلمع هنا إلى نضاله الحميد في فترة عمله الجامعي. ذلك أن طريقه لم تكن آنذاك مفروشة بالورد والرياحين. بل كان تدريسه جهاداً ضد الجهل والمروق. وكان الدافع إلى هذا العناء حبّه، بل هيامه، بالإتقان. فما برح ينافح في سبيل نصرة اللغة العربية وحمايتها، وصونها وإعلاء شأنها بإحيائها والذود عن سلامتها وصحتها، مؤمناً صادقاً صريحاً، مغرقاً في صراحته، غير هيّاب، وقد أخذ عليه بعض صحبه جرأته في الافصاح عما يرى. ولكن ذلك لم يكن ليوهن عزيمته، لإيمانه بالدفاع عن أمته وقومه، وشعوره بتقاعس فريق من المعنيين الجامعيين في صفوف الزملاء والطلاب عن هذه الرسالة. فخاض معركة حقيقية ظلّ فيها البطل الصامد المؤمن بواجب الإخلاص والإتقان. بمثل ما أوجب هو على نفسه. وهلاّ نرى في جامعتنا اليوم من يتقن مثل (راتب) العربية ويمارسها لغة علم وعمل، حتى في حياته اليومية، سواء بسواء؟ وهذا الإتقان في العلم والبحث العلمي يواكبه، ويلازمه، إتقان عشرة وسلوك. ولم يكن الأستاذ (راتب) "يضنّ بعلمه، ولا يبخل بعونه، ولا يتمسك بكتبه، وهي كثيرة غزيرة، وبعضها نادر أو مفقود، يبذل هذا وذاك خدمة للعلم، وبثاً للحكمة ولعل كتبه التي في خزانته، على كثرتها، أقلّ من كتبه التي استعارها رفاقه وأصدقاؤه منه". زد على ذلك أن المرحوم (راتب) كان قبلة القاصدين، من العلماء والطالبين، يجتذبهم للقائه نشدان الحكم السليم، والرأي السديد، والبصر النافذ الناقد، وكأنه يتمّ في داره تعليمه الجامعي وغير الجامعي، جواداً، كريماً، محتسباً، مجيباً كل طامح في تعمق العربية وأسرارها، وكل راغب في جني ثمارها والفوز بكنوزها ولآلئها. وهو يقوم بذلك بنفس العارف السمح السعيد المسهم في دفع الجهل، والمجالد المنافخ في حرب التزييف والرياء والتخليط. لقد تحدثت قليلاً عن صعاب دربه الجامعي، بل عن بعض تلك الصعاب، وفيها من صنع الأغبياء أو الحاسدين القدر الكبير. وما هي إلا لحظة حانت فيها فقيدنا الغالي من دنيا التعليم الجامعي إلت عالم البحث المجمعي. ولئن كانت خسارة لا تعوّض من ناحية، فقد قابلها، لحسن الحظ، نفع جسيم من ناحية أخرى. ولكن مآثر الأستاذ (النفاخ) التعليمية ظلت هي الأفضل والأبقى. إناه، بلا ريب، المآثر الحية النامية باطراد في نفوس طلابه ومريديه، والباقية في أعمالهم المشهودة إلى اليوم، وهم مئون. جاء في الحديث النبوي: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه". وقد عاش فقيدنا الأستاذ (راتب) دلالة هذا الحديث في دقائق حياته جميعها. وقد قيل في إحدى الفلسفات المعاصرة: إن الحياة مشروع وجود ناقص لا يتمّ إلا بالموت. فالموت ينفي العبث، ويحدّد معنى الحياة. وبالموت تتضح رسالة كل من عاش، إذ ينجلي شأوها بانقضائها المحتوم. ولنا أن نفطن إلى أن الحياة التي تمامها الموت هي حياة الجسد. ويكون الموت نهايتها. والنهاية تمامٌ يباين الكمال. إن تمام الأمر انغلاق. وذاكم هو الموت بالجسد. أما الكمال فإنه قيمة بقاء، لا فناء. وقد تميز المرحوم الأستاذ (راتب) في حياته الدنيا بمطلب الإتقان نشدانا للكمال. ولئن عنا جسداً محققاً ما استطاع من إتقان، فإن له حياة ً باقية هي الأكمل، لأنها خالدة بإسهامه المحمود في خدمة اللغة العربية، وببنائه نفوساً وفيّة تحمل رسالته باتصال ونماء، وليت حبّ العربية، والعمل في سبيل رفعتها، وتطويرها، وإغنائها، داءٌ تمتد عدواه إلى كل ناطق بالضاد. رحمك المولى يا (أبا عبد الله). فقد صدقت، وأجدت، وأتقنت، فخلدت. وإنّا بفراقك لمحزونون. حزنٌ كطول الدهر، باق ٍ، إذا مضت أوائله، عادت إلينا أواخره كلمة أصدقاء الفقيد الدكتور عبد الكريم الأشتر أيها السادة! لو جاز أن نمثل لبعض الناس بالكتاب، لكان صديقي الأستاذ أحمد راتب النفاخ يكون واحدة من المخطوطات النادرة التي جار عليها الزمان، فوقعت فيها خروم، وانطمست كلمات، وانقصفت أوراق، ولكنها ظلت حية تحتفظ بقيمتها، وتنفرد بحقائقها، فما نجده فيها قد لا نجده في كتاب آخر. تكوينه تكوين أصحاب العواطف المستبدة من المثاليين الذين يقفون دائماً في نهايات الخطوط. مملكتهم ليست في هذا العالم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير