3 – هذه الفوائدُ ليستْ ذاتَ نَمَطٍ واحدٍ مِن جهةِ الطُّولِ والقِصَرِ، فهناكَ فوائدُ طويلة يذكرها في صفحاتٍ، وهناكَ فوائدُ مُختصرة لا تتجاوزُ السَّطْرَ والسَّطْرَيْنِ، وذلكَ بحسبِ عدد الفوائدِ المستنبطةِ من كُلِّ آيةٍ، وما يفتحُ الله عليهِ حالَ تفسيرهِ للآيةِ، فهناكَ آياتٌ لا يتجاوزُ ما ذكرهُ مِن فوائدها أصابعَ اليدِ، وهناكَ آياتٌ ذكرَ فيها عشراتِ الفوائد. ()
4 – هذه الفوائدُ ليستْ مُقتصرةً على المعاني الدقيقةِ؛ بل يذكرُ الشيخُ رحمه الله كُلَّ ما يَحْضُرُهُ حالَ تفسيرِ الآيةِ مِن فوائدها ولو كانت ظاهرةً جِدًّا.
5 – رُبَّما يُرتِّبُ على الفائدةِ المستنبطةِ مِن الآيةِ فائدةً أخرى.
يُعبِّرُ عن ذلكَ غالبًا بقولهِ:"ويتفرَّعُ على هذه الفائدةِ ... " ورُبَّمَا ذكرَ أكثر مِن فَرْعٍ.
ومِن أمثلةِ ذلكَ:
عند تفسيره لقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ? بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} (البقرة:89 - 90)
ذكرَ مِن فوائدها:" أنّ هذا الفَضْلَ الذي أنزلهُ الله لا يجعلُ المفَضَّلَ بهِ رَبًّا يُعْبد؛ بلْ هو مِن العِبَاد. حتّى ولو تميَّز بالفضلِ؛ لقولهِ تعالى: {عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}.
وهذهِ الفائدةُ لها فروعٌ نُوَضِّحُهَا، فنقولُ: إنّ مَن آتاهُ الله فَضْلاً مِن العلمِ والنبوةِ لم يَخْرُجُ بهِ عن أنْ يكونَ عَبْدًا؛ إذاً لا يَرْتَقِي إلى مَنْزلةِ الربوبيّةِ؛ فالرَّسُولُ ? عَبْدٌ مِن عبادِ الله؛ فلا نقولُ لمن نَزَلَ عليه الوَحْيُ: إنّه يَرتفعُ حتّى يكونَ رَبًّا يملكُ النفعَ، والضررَ، ويعلمُ الغيبَ.
ويَتفرَّعُ عنها أنّ مَن آتاهُ الله مِن فضلهِ مِن العلمِ، وغيرهِ يَنبغِي أنْ يكونَ أَعْبَدَ لله مِن غيرهِ؛ لأنّ الله تعالى أعطاهُ من فضلهِ؛ فكانَ حَقُّهُ عليهِ أعظمَ مِن حَقِّهِ على غيرهِ؛ فكُلَّمَا عَظُمَ الإحسانُ مِن الله ? استوجبَ الشُّكرَ أكثر؛ ولهذا كان النبيُّ ? يَقومُ في الليلِ حتّى تَتَوَرَّمَ قَدَمَاهُ؛ فَقِيلَ لهُ في ذلكَ؛ فقالَ: [أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورا] ().
ويَتفرَّعُ عنها فَرعٌ ثالث: أنّ بعضَ الناسِ اغْتَرَّ بما آتاهُ الله مِن العلمِ،فَيَتَعَالَى في نفسهِ ويتعاظمَ حتّى إنّه رُبَّمَا لا يقبلُ الحقَّ؛ فَحُرِمَ فضلَ العلمِ في الحقيقة ". ()
وعند تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} (البقرة: من الآية164)
ذكرَ مِن فوائدها:" أنّ السموات مَخلوقةٌ؛فهي إذاً كانت مَعدومةً مِن قبل؛فليستْ أَزَلِيَّةً.
ويَتفرَّعُ على هذهِ الفائدةِ الرَّدُّ على الفلاسفةِ الذينَ يقولونَ بِقِدَمِ الأفلاكِ - يعنونَ أنّها غير مَخلوقةٍ، وأنّها أَزَلِيَّةٌ أبديةٌ - ولهذا أنكروا انشقاقَ القمرِ في عهدِ النبيِّ ? ()، وقالوا: إنّ الأفلاكَ العُلْوِيَّةَ لا تقبلُ التغييرَ، ولا العَدَمَ؛ وفَسَّرُوا قولهُ تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} (القمر:1) بأنّ المرادَ ظُهورُ العلمِ، والنُّورِ برسالةِ النبيِّ ?؛ ولا شكَّ أنّ هذا تحريفٌ باطلٌ مُخالِفٌ للأحاديثِ المتواترةِ الصحيحةِ في انشقاقِ القمرِ انشقاقًا حسيًا ". ()
6 – ومِن مَلامحِ مَنهجهِ في الاستنباط: أنْ يذكرَ الفائدةَ ثم يذكرُ ما قد يُشكِلُ عليها، ويجيبَ عنه.
عند تفسيره لآيةِ الدَّيْنِ في سورة البقرة؛ذكرَ مِن فوائدها:" أنّ المضَارَّةَ سواء وقعتْ مِن الكَاتِبِ، أو الشَّاهِدِ، أو عليهما، فُسُوقٌ؛ والفِسْقُ يترتبُ عليهِ زوالُ الولاياتِ العامّةِ والخاصّةِ إلا ما اسْتُثْنِيَ؛ والفاسقُ يُهجَر إمّا جَوَازًا؛أو استحبابًا، أو وُجُوبًا - على حسب الحال - إنْ كانَ في الهجْرِ إصلاحٌ لهُ.
¥