وعلى هذا يمكن ربط آيات الحج بالسياق من أوجه عدّة: فذكر الحج وأحكامه بعد أحكام الصيام؛ لأن شهور الحج بعد شهر الصيام، كما أن في السياق حديثاً عن الأهلة والمواقيت، والحج لا يؤدّى إلا بوقت معين يُعرف من خلال حركة الهلال، وجاء في الآيات بيان حكم القتال في الشهر الحرام وعند المسجد الحرام، وإنما يؤدى الحج في تلك الأشهر، وتُقام مناسكه في ذلك المسجد، وفي هذا إشارة إلى المسلمين بأن دفاعهم عن المسجد الحرام أمرٌ لا بدّ منه؛ ليتسنى لهم القيام بمناسكهم على أتم وجه، ودون أن يمنعهم أحد من إقامة شعائرهم، حتى لو اضطرهم هذا لقتال الكافرين في الشهر الحرام، أو عند المسجد الحرام، ويؤيد هذا ما جاء لاحقاً في السياق من حديث عن القتال وبخاصة في الشهر الحرام (1)، فآيات الحج محاطة بذكر القتال؛ بياناً لأهميته في تمكين المسلمين من إتمام عبادتهم.
مفردات الآية
وأتموا: "التاء والميم أصل واحد، وهو دليل الكمال، يقال: تمّ الشيء، إذا كمُل" (2)، "والتمام ضد النقصان، وهو عبارة عن انتهاء الشيء إلى حدٍّ لا يحتاج إلى شيء خارج عنه" (3).
الحجّ: ذكر الفراهيدي في العين أن"الحجُّ: كثرة القصد إلى من يُعَظَّم" (4)، وقال المُناوي: "الحجّ ترداد القصد إلى ما يُراد خيره وبِرّه" (5)، ثم اختُص بهذا الاسم قصد بيت الله تعالى بصفة مخصوصة، في وقت مخصوص، بشرائط مخصوصة (6)، وذكر السجستاني أن الحَجّ مصدر، والحِجّ اسم (7).
تضمّن كلام الفراهيدي والمناوي ملحظين، أولهما أن الحج هو القصد، وثانيهما أنه متكرر، وكأنهما التفتا إلى هذا التكرير في صوت الجيم، فجمعا بين الدلالة اللغوية: (القصد)، والدلالة الصوتية: (التكرير).
العمرة: تطلق العُمْرَة في عُرف الشرع على زيارة الكعبة في غير أشهر الحج، وأصلها اللغوي قد يكون من "العَوْمَرة، وهي الصياح والجلبة، يقال: اعْتَمَرَ الرجلُ، إذا أهلّ بِعُمْرَتِه، وذلك رفعه صوتَه بالتلبية للعمرة" (8)، وقد يكون من "التَّعْمِير، وهو شغل المكان، ضد الإخلاء" (9)، وكلا الأصلين محتمل.
أُحصرتم: الحَصْرُ: الجمعُ والحبس والمنع (10)، "يقال: أُحْصِرَ فلان، إذا منعه أمر من خوف أو مرض أو عجز، قال الله تعالى:??الذِينَ أُحْصِرُوا في سَبِيْلِ اللهِ? [البقرة: 273]، وحُصِر: إذا حبسه عدوّ عن المضي، أو سُجن ... وهما بمعنى المنع في كل شيء، مثل: صدّه وأصدّه" (11).
استيسر: "الاستيسار: صيرورة الشيء يسيراً غيرَ عسير، كأنه يجلب اليُسْر لنفسه" (12)، "واليْسْرُ
ضد العسر، وتَيَسَّرَ كذا واسْتَيْسَرَ، أي: تَسَهَّل وتهيّأ" (13).
الهدي: "الهاء والدال والحرف المعتل، أصلان: أحدهما التقدم والإرشاد، والآخر: بَعْثَةُ لَطَفٍ (14)، فالأول قولهم: هديته الطريق هداية، أي تقدمته لأرشده، وكل متقدم لذلك هادٍ. . . والأصل الآخر: الهَدِيَّة: ما أهديتَ من لَطَفٍ إلى ذي مودة، والهَدْيُ والهِدِيُّ: ما أُهديَ من النَّعَم إلى الحرم قربة إلى الله تعالى" (15).
مَحِلَّه: مَحِلُّ الهَدْيِ: الموضع الذي يحلّ فيه نحره (16)، أما المَحَلُّ: فهو نقيض المُرْتَحل، وهو مصدر كالحلول (17).
أذى: "الأذى: كل ما تأذيت به، ورجل أذيٌّ: أي شديد التأذي" (18).
فدية: "افْتَدَى به، وافتدى منه بكذا: استنقذه بماله، وافتدى: بذل المال في فداء نفسه، واسم المال: الفدية" (19). وفي عرف الشرع: "ما يفتدي الإنسان به نفسَه من مال يبذله في عبادة يقصّر فيها، وهي الكفارة بعينها" (20).
نُسُك: قال في الصحاح: "نسكتُ الشيء: غَسَلْتُه بالماء وطهّرتُه، فهو مَنْسُوك" (21)، ونَسَكَ لله ينسِك: ذبح لوجهه نُسُكاً ومَنْسَكاً، والنَّسيكة: الذبيحة، ثم تطورت دلالة الكلمة لتدل على العبادة (22)، فالذبيحة التي يُتقرب بها إلى الله تُسمّى نسيكة، " قال ابن الأعرابي: النسيكة في الأصل سبيكة الفضة، تسمى العبادة بها؛ لأن العبادة مُشبِهة سبيكة الفضة في صفائها وخلوصها من الآثام، وكذلك سمّي العابد ناسكاً، وقيل للذبيحة: نسيكة؛ لذلك" (23).
تمتع: " المُتُوع: الامتداد والارتفاع، والمتاع: انتفاعٌ ممتد الوقت" (24)، "ومعنى التَّمَتُع: التلذذ، يقال: تَمَتَّعَ بالشيء، أي: تَلَذَّذَ به، والمتاع: كل شيء يُتمتع به، وأصله من قولهم: حبلٌ ماتع، أي:
¥