تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال الإمام الخطيب الإسكافي في درة التنزيل وغرة التأويل، ص259:

قال تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} السجدة 5، وقال في سورة سأل سائل: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} المعارج 4.

للسائل أن يسأل، فيقول: هذا اليوم جعل مقداره في السورة الأولى ألف سنة، وجعله في السورة الثانية خمسين ألف سنة، وقد قدّره بألف سنة في موضع آخر من سورة الحج، فقال: {وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} الحج 47، فكيف يجمع بين هذه الأخبار!

الجواب عن ذلك من وجوه:

أحدها: أن يكون المعنى: أن الله يدبر أمر أهل الأرض في السماء من دعائهم إلى الطاعات، وتكليفهم أنواع العبادات، فينزل به من يأمره من ملائكته ليبعث بذلك رسله، ويضم إليه آياته وكتبه، ثم يصعد الملك الذي جاء به إلى المكان الذي نزل منه في يوم من أيام الدنيا، وهذه المسافة التي قطعها الملك في النزول والصعود مقدارها مسيرة ألف سنة من غيره، لأن ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، فيقع النزول والصعود في يوم تستغرق أوقاته سير ألف سنة من السنين التي يعدها أهل الأرض في الدنيا، وهذا التدبير الذي يدبر في السماء لأهل الأرض هو ما يكلفون من العبادات، وما يقدر من مدد أعمارهم، وما يحدث في اللوح المحفوظ مما يدل الملائكة على أنهم مأمورون بأن ينزلوا به إلى المصطفين من عباده بالرسالة، ثم يعودون إلى أماكنهم في يوم بقدر ألف سنة من أيام الدنيا.

وأما قوله في سورة الحج: {وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} الحج 47، أي: يقع في يوم تنعيم المطيعين وتعذيب العاصين قدر ما يناله المنعم في ألف سنة من أيام الدنيا، ويعذب العصاة في يوم مقدار ما يعذب به الإنسان ألف سنة لو بقي فيها، فعذابه في يوم واحد عذاب ألف سنة، وذلك لما يتضاعف عليهما من الآلام والملاذّ، ويصل إليهما من الغموم والسرور، والدليل على أن المراد في هذه الآية ذلك قوله قبله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} الحج 47، فجهلهم باستعجالهم العذاب الذي هذا وصفه.

وأما قوله في سورة سأل سائل: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} المعارج 4، أي: تصعد الملائكة وجبريل ـ عليهم السلام ـ إلى حيث يعطي الله فيه الثواب أهل طاعته، ويحل فيه العقاب بأهل معصيته، وإن ذلك في يوم هو يوم القيامة، ويفعل الله تعالى فيه من محاسبة عباده، وتبيلغ كل منهم حقه ما لا يكون مثله في الدنيا إلا في خمسين ألف سنة.

وجواب ثانٍ: وهو أنه يجوز أن يكون يوم القيامة يوماً بلا آخر، وفيه أوقات مختلفة طولاً وقصراً، كما كان في أيام الدنيا، كان الوقت بين صلاة الفجر وصلاة الظهر أطول مما بين الظهر وبين العصر، وكما كان ذلك بين صلاة العشاء الأولى وعشاء الآخرة، فبعضها ألف سنة، وبعضها خمسون ألف سنة.

وجواب ثالث: وهو أن يكون اليوم الذي أخبر الله تعالى عنه في السجدة والذي في الحج هما من الأيام التي عند الله، وهي التي خلق فيها السموات والأرض، وكل يوم منها ألف سنة من سني الدنيا.

وأما في سورة سأل سائل فإن المراد به أن لثقله على الكافرين، واستطالتهم له وصعوبته، وهوله عليهم يصير بخمسين ألف سنة، وفي كل واحد من الأجوبة التي ذكرنا ما يكفي في جواب السائل.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير