ومن ذلك تفسير قوله تعالى: (وفديناه بذبح عظيم)، قال أصحاب المنتخب: (وَوُلِدَ إسماعيل وشَبّ، فلما بلغ معه مبلغ السعى فى مطالب الحياة اختُبر إبراهيم فيه برؤية رآها. قال إبراهيم: يا بنى إنى أرى فى المنام وحياً من الله يطلب منى ذبحك، فانظر ماذا ترى ... وفديناه بمذبوح عظيم القدر لكونه بأمر الله تعالى).
وقال أصحاب التفسير الميسر: (واستنقذنا إسماعيل، فجعلنا بديلا عنه كبشًا عظيمًا).
وهذا التفسير من هؤلاء العلماء اختيار؛ أن في الآية قول آخر، وهو أن المفدَّى إسحاق، والصحيح أنه إسماعيل كما هو اختيار التفسيرين.
2 ـ وإن كان اختلاف تنوع، فيمكن القول بإن اختلاف التنوع لا يخرج عن حالتين:
الحالة الأولى: أن يعود الخلاف إلى معنى واحد.
وأسلوب التفسير في مثل هذا الحال سهل؛ إذ المفسر يبين المعنى الكلي الذي تعود إليه الأقوال، ويمكن أن يتبعها بما يحتاج من عبارات المفسرين إن احتاج إلى ذلك، وغالبًا ما يكون ذلك فيما إذا كان للمعنى المفسر أنواعًا أو أمثلة.
والذي يعود إلى معنى واحدٍ أقسام:
القسم الأول: أن يكون تفسير المعنى بألفاظ متقاربة؛ كتفسير قوله تعالى: (فقد صغت قلوبكما) بأنها: زاغت، أو مالت، وهذان اللفظان قريبان في المعنى، والجامع بين هذه الألفاظ الثلاثة (صغت، زاغت، مالت) هو وجود المَيلِ.
القسم الثاني: أن يكون اللفظ عامًا، وتندرج تحته أمثلة أو أنواع، ففي هذه الحالة يذكر المفسر المعنى العامَّ، ثم يتبعه ببعض الأمثلة أو الأنواع، ومثال ذلك:
1 ـ النعمة في قوله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث) لفظ عام يشمل جميع نعم الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فيقال: ومهما يكن من شيء، فتحدَّث ـ من باب شكر الله ـ بجميع ما أنعم الله عليك؛ كنعمة النبوة ونعمة الوحي، ونعمة الإيواء، ونعمة الإغناء.
2 ـ النازعة في قوله تعالى (والنازعات غرقًا) لفظ يشتمل على أنواع من النازعات؛ كالملائكة النازعة للأرواح، والنجوم النازعة من أفق إلى أفق، وقيل غير ذلك، فإذا سبكت عبارة التفسير فيمكن أن تقول: يقسم ربنا بكل نازعة مغرقة في النْزع؛ كملائكة العذاب إذا نزعت روح الكافر، وكالنجوم التي تنْزع من أفق إلى أفق.
ويلاحظ أن من يكتب التفسير مختصِرًا؛ أن ما يتعلق بالأنواع قد يصعب حصره أو الإشارة إليه إذا كانت الأقوال فيه كثيرة؛ كالأقوال الواردة في النازعات التي ذكر فيها ابن الجوزي سبعة أقوال، إذ شأن استيعاب الأقوال في المتوسطات او المطولات من كتب التفسير.
الحالة الثانية: أن يعود الخلاف إلى أكثر من معنى، وقد تتعدد فتصل إلى ما فوق الخمسة.
وهذه الحالة هي أصعب حالات السبك التفسيري عند المفسر المختصِر؛ لأنه إذا كان يريد أن يعمد إلى الترجيح والاختيار من بين الأقوال، فيلزمه سلوك جادة واحدة في ذلك، وتلك حالة صعبت في الأسلوب التفسيري، وقل ان تسلم له الجادة في كل المواطن، إذ قد يذكر أكثر من قول في بعض المواطن دون بعض.
وإن كان يريد أن يذكر كل المحتملات الصحيحة، فإنه سيخرج في بعض المواطن عن منهج الاختصار الذي رسمه لنفسه، وسيكون مختصرًا لمطول فقط.
ومعالجة هذه الحالة ـ عند المفسِّر المختصِر ـ في غاية الصعوبة، إذ لابدَّ من ترك بعض الأقوال، وعدم ذكرها.
ومما يلاحظ أنَّ (أصحاب التفسير الميسر) ممن ينتهج الحرص على ذكر الأقوال أو الإشارة إليها بإشارة جامعة تدل عليها، ون ذلك تفسيرهم لقوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ)
قالوا: (أولم يعلم هؤلاء الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين لا فاصل بينهما، فلا مطر من السماء ولا نبات من الأرض، ففصلناهما بقدرتنا، وأنزلنا المطر من السماء، وأخرجنا النبات من الأرض) فجمعوا في هذه العبارة بين قولين من أقوال المفسرين:
الأول: كنتا ملتصقتين ففتق (فصل) هذه عن هذه.
الثاني: أن السماء كانت رتقًا لا تمطر، ففتقها بالمطر، وأن الأرض كانت رتقًا لا تُنبت، ففتقها بالنبات.
¥