تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و (العِلَّة) لغةً في كتب (الاصطلاحات): معنى يحلُّ بالمحلِّ فيتغيَّر به حال المحلِّ، ومنه سمِّيَ المرضُ عِلَّةً؛ لأنَّه بحلوله يتغيَّر الحال من القوَّة إلى الضعف ((16)) وزاد صاحب التعريفات: بلا اختيار ((17) وذكر قولا آخر يعرِّفها بأنَّها: ما يتوقف عليه وجود الشيء ويكون خارجا مؤثرا فيه ((18)).

و (العِلَّة) في الشريعة: عبارة عمَّا يجب الحكم به معه ((19)).

وعند الأصوليين: المعرِّف للحكم. وقيل المؤثِّر بذاته بإذن الله. وقيل الباعث عليه و (العلة القاصرة) عندهم: هي التي لا تتعدَّى محلَّ النصِّ ((20))

وهي عند المتكلمين وأصحاب الميزان: ما يتوقف عليه ذلك الشيء. وهي قسمان: (عِلَّة الماهيَّة) و (علَّة الوجوب)، وفيها تقسيمات متشعبة ((21)).

وعند الصوفيين: تنبيه الحقِّ لعبده بسببٍ وبغير سببٍ ((22)).

و (العِلَّة) في (علم العروض): التغيير في الأجزاء الثمانية سواءٌ أكان في العروض أم الضرب ((23)).

وعند المُحَدِثِين ((سببٌ غامِضٌ قادِحٌ مع أنَّ الظاهِر السَّلامة منه)) ((24)). و (عِلل المتكلمين) التي شَبَّه ابنُ جنيٍّ عللَ النحاةِ بها، وصفَها هو نفسُه بأنَّها: إحالاتٌ على الحسِّ، يحتجُّون فيها بِثِقلِ الحال أو خفَّتها على النَّفس، على العكس من عِلَل الفقهاء، برأيه؛ لأنَّها إنَّما هي أعلامٌ وأماراتٌ لوقوع الأحكام، ووجوهُ الحكمة فيها خفيَّة عنَّا، غيرُ بادية الصفحة لنا ((25)).

وقول ابن جني المذكور آنفاً (إنَّ عِلل النحاة أقربُ إلى عِلل المتكلمين منها إلى علل الفقهاء) صحيحٌ عند من قال: إنَّ العلَّة هي المعرِّف للحكم، أي: عَلمٌ عليه، أو: أمارةٌ وعلامةٌ؛ لذلك قالوا: متى ما وجد المعنى المُعلَّلُ به عُرِفَ الحكمُ، إشارةً إلى أنَّ العلَّة غير مؤثرة حقيقةً، وليست موجبةً للأحكام، وهو اختيار البيضاوي وكثيرٍ من الأحنافِ وبعضِ الحنابلة ((26)).

لكنَّ من الفقهاء والأصوليين من قال بأنَّها الوصف المؤثِّر في الأحكام، وعبارة الغزالي واضحةٌ في المعنى: ((و (العِلَّة) في الأصل: عبارة عمَّا يتأثَّر المحل ُّبوجوده؛ ولذلك سُمِّيَ (المرضُ) علَّةً، وهي في اصطلاح الفقهاء على هذا المذاق)) ((27)).

ويبدو أنَّ ابن جني، رحمه الله تعالى، اعتمد في حكمه السابق على الحدِّ الأوَّل، وإلا فإنَّ الغزاليَّ نفسه قال عن علل الفقهاء: ((وهي كالعلل العقلية في الإيجاب، إلا أنَّ إيجابها بجعل الشارع إياها موجِبة لا بنفسها)) ((28))، وقد يُعْتَذَرُ لكلام ابن جني هنا بأنَّ مقصد الغزالي أنَّ وجود العلة يستلزِم وجود المعلول عندها لا بها، أي: إنَّ الإيجاب غير الوجوب، ولكن لا يستقيم هذا الاعتذار مع تعريف المعتزلة للعلة (وابن جني معتزلي) فقد قالوا: ((العِلَّة: هي الوصف المؤثِّر بذاته في الحكم)) ((29))، فالعِلَّة عند فقهاء المعتزلة موجِبةٌ للحكم؛ لذلك قال الشيخ جلال الدين الدواني، ناقلاً عن المعتزلة:

((قالوا: للفِعْلِ في نفسه، مع قطعِ النظرِ عن الشرعِ، جِهَةُ حُسْنٍ أو قُبْحٍ ... )) ((30))، وبهذا يترجَّح أنَّ ابن جني تحدَّث عن تعليلات الأحناف، بدليل عبارتِه: (إنَّما هي أعلامٌ وأمارات لوقوعِ الأحكام).

وممَّا جعلني أستفيض في طرح هذا المشكل، ما قد يُسْتَشْعَر من القول بأنَّ عِلَّة التعبير التي تشيع في كلام المفسرين، قد لا تكون هي المقصودة في التعبير، أو هي تقوُّلٌ على الله عزَّ وجلَّ وحاكمة ٌعلى المقصد، ولا دليل غير الحسِّ على أنَّ المراد من التعبير هذا الاختيار أو ذاك، وهذا صحيح ٌ لو اعتُقِد عند القول بالعلَّة أنَّها الموجِبة للتعبير، ولكنَّ ظاهر عبارات المفسرين على معنى العلَّة عند البيضاوي وغالبية الأحناف وبعض الحنابلة، من أنَّ القول بالعلَّة هو علامةٌ أو أمارةٌ على الحكم لا موجِبٌ له.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير