(الكبيرة الثامنة والستون: نسيان القرآن أو آية منه بل أو حرف) أخرج الترمذي والنسائي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها}. وأبو داود عن سعد بن عبادة: {ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله يوم القيامة أجذم}.
وأخرج محمد بن نصر عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال: {إن من أكبر ذنب توافى به أمتي يوم القيامة لسورة من كتاب الله كانت مع أحدهم فنسيها}. وأخرج ابن أبي شيبة عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {عرضت علي الذنوب فلم أر فيها شيئا أعظم من حامل القرآن وتاركه}: أي بعد ما كان حامله بأن نسيه.
وأخرج أيضا عن سعد بن عبادة: {ما من أحد يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله وهو أجذم}. وأخرج محمد بن نصر عن سعد بن عبادة: {من تعلم القرآن ثم نسيه لقي الله وهو أجذم}.
تنبيهات:
عد نسيان القرآن كبيرة هو ما جرى عليه الرافعي وغيره , لكن قال في الروضة: إن حديث أبي داود والترمذي: {عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها} في إسناده ضعف. وقد تكلم فيه الترمذي انتهى.
وكلام الترمذي الذي أشار إليه هو قوله عقبه " غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وذاكرت به محمد بن إسماعيل: أي البخاري فلم يعرفه واستغربه. قال محمد: ولا نعرف للمطلب بن حنطب أي رواية سماعا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال عبد الله: وأنكر علي بن المديني أن يكون المطلب سمع من أنس. " انتهى كلام الترمذي
وبه يعلم أن مراد النووي بقوله " في إسناده ضعف " أي انقطاع لا ضعف في الراوي الذي هو المطلب لأنه ثقة كما قاله جماعة. لكن قال محمد بن سعيد: لا يحتج بحديثه لأنه يرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا وليس له لقي. وبين الدارقطني أن فيه انقطاعا آخر وهو أن ابن جريج راويه عن المطلب المذكور لم يسمع من المطلب شيئا كما أن المطلب لم يسمع من أنس شيئا فلم يثبت الحديث بسبب ذلك , وما ذكر أنه لم يسمع من أحد من الصحابة شيئا يرد عليه قول الحافظ المنذري: إنه روى عن أبي هريرة.
وحديث: {ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله يوم القيامة أجذم} فيه انقطاع وإرسال أيضا , وسكوت أبي داود عليه معترض بأن فيه يزيد بن أبي زياد وليس صالحا للاحتجاج به عند كثيرين. لكن قال أبو عبيد الآجري عن أبي داود لا أعلم أحدا ترك حديثه , وغيره أحب إلي منه. وقال ابن عدي: هو من شيعة أهل الكوفة ومع ضعفه يكتب حديثه انتهى , وبالتعبير فيه بامرئ الشامل للرجل وغيره يعلم أن ذكر الرجل في الحديث الذي قبل هذا إنما هو للغالب.
ومنها: الظاهر من الروضة أنه موافق للرافعي على ما مر عنه من أن ذلك كبيرة فإنه لم يعترضه في الحكم , وإنما أفاد أن الحديث ضعيف على ما مر , ومن ثم جرى مختصرو الروضة وغيرهم على ذلك , وبه يتضح قول الصلاح العلائي في قواعده:
إن النووي قال: اختياري أن نسيان القرآن من الكبائر لحديث فيه انتهى , فأراد باختياره لذلك أنه أقر الرافعي عليه وذلك مشعر باختياره واعتماده. نعم قوله (لحديث فيه) فيه نظر لأنه لم يختره لذلك الحديث , كيف وهو مصرح بضعف ذلك الحديث والطعن فيه , إنما سبب تقريره للرافعي على ذلك اتضاحه من جهة المعنى وإن كان في دليله شيء على أن الذي مر أن فيه انقطاعا وإرسالا , وقد يؤخذ من تعداد طرقه التي أشرت إليها فيما مر جبر ما فيه.
وبما وجهت به كلام العلائي مع النظر فيه من الجهة السابقة يعلم ما في قول الجلال البلقيني لم يظهر من كلام النووي اختيار كونه كبيرة خلافا للعلائي , وبذلك أيضا يرد قول الزركشي: إنه في الروضة خالف الرافعي في كون نسيان القرآن كبيرة.
ومنها: قال الخطابي: قال أبو عبيدة: الأجذم المقطوع اليد. وقال ابن قتيبة: الأجذم هاهنا المجذوم. وقال ابن الأعرابي: معناه لا حجة له ولا خير فيه. وجاء مثله عن سويد بن غفلة.
¥