ومنها: قال الجلال البلقيني والزركشي وغيرهما: محل كون نسيانه كبيرة عند من قال به إذا كان عن تكاسل وتهاون انتهى , وكأنه احترز بذلك عما لو اشتغل عنه بنحو إغماء أو مرض مانع له من القراءة وغيرهما من كل ما لا يتأتى معه القراءة , وعدم التأثيم بالنسيان حينئذ واضح لأنه مغلوب عليه لا اختيار له فيه بوجه بخلاف ما إذا اشتغل عنه بما يمكنه القراءة معه , وإن كان ما اشتغل به أهم وآكد كتعلم العلم العيني لأنه ليس من شأن تعلمه الاشتغال به عن القرآن المحفوظ حتى نسي ويؤخذ من قولهم إن نسيان آية منه كبيرة أيضا أنه يجب على من حفظه بصفة من إتقان أو توسط أو غيرهما كأن كان يتوقف فيه أو يكثر غلطه فيه أن يستمر على تلك الصفة التي حفظه عليها فلا يحرم عليه إلا نقصها من حافظته , أما زيادتها على ما كان في حافظته فهو وإن كان أمرا مؤكدا ينبغي الاعتناء به لمزيد فضله إلا أن عدمه لا يوجب إثما ... ومنها: قال القرطبي:
لا يقال حفظ جميع القرآن ليس واجبا على الأعيان , فكيف يذم من تغافل عن حفظه؟ لأنا نقول: من جمعه فقد علت رتبته وشرف في نفسه وقومه , وكيف لا؟ ومن حفظه فقد أدرجت النبوة بين جنبيه , وصار ممن يقال: فيه هو من أهل الله وخاصته , فإذا كان كذلك فمن المناسب تغليظ العقوبة على من أخل بمرتبته الدينية , ومؤاخذته بما لا يؤاخذ به غيره , وترك معاهدة القرآن يؤدي إلى الجهالة انتهى) اهـ
من أقوال الحنابلة:
في الفروع لابن مفلح 1/ 551:
(ويستحب ختم القرآن في سبع , وهل يكره في أقل أم لا؟ أم يكره دون ثلاث؟ فيه روايات , وعنه هو على قدر نشاطه وذكر ابن حزم أنهم اتفقوا على إباحة قراءته كله في ثلاثة أيام واختلفوا في أقل , ويكره فوق أربعين عند أحمد , وقيل يحرم لخوف نسيانه , وقدم بعضهم فيه يكره , وهذا مراد ابن تميم بقوله بحيث ينساه , قال أحمد: ما أشد ما جاء فيمن حفظه ثم نسيه) اهـ
مطالب أولي النهى 1/ 604:
((وكره تأخير ختم) القرآن (فوق أربعين) يوما (بلا عذر) , قال أحمد: أكثر ما سمعت ; أن يختم القرآن في أربعين. ولأنه يفضي إلى نسيانه والتهاون به. (وحرم) تأخير الختم فوق أربعين (إن خاف نسيانه قال) الإمام (أحمد: ما أشد ما جاء فيمن حفظه ثم نسيه) اهـ
وفي الفتاوى الكبرى لابن تيمية 2/ 212:
(مسألة: في رجل يتلو القرآن مخافة النسيان , ورجاء الثواب , فهل يؤجر على قراءته للدراسة ومخافة النسيان أم لا؟ وقد ذكر رجل ممن ينسب إلى العلم أن القارئ إذا قرأ للدراسة مخافة النسيان أنه لا يؤجر , فهل قوله صحيح أم لا؟
الجواب: بل إذا قرأ القرآن لله تعالى فإنه يثاب على ذلك بكل حال , ولو قصد بقراءته أنه يقرؤه لئلا ينساه , فإن نسيان القرآن من الذنوب , فإذا قصد بالقراءة أداء الواجب عليه من دوام حفظه للقرآن , واجتناب ما نهي عنه من إهماله حتى ينساه , فقد قصد طاعة الله , فكيف لا يثاب.
وفي الصحيحين: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {استذكروا القرآن فلهو أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم من عقلها}.
وقال صلى الله عليه وسلم: {عرضت علي سيئات أمتي فرأيت من مساوئ أعمالها الرجل يؤتيه الله آية من القرآن فينام عنها حتى ينساها}) اهـ
وفي كشاف القناع 1/ 147 وفي المبدع 1/ 188:
(اختار الشيخ تقي الدين بأنه يباح لها أن تقرأه إذا خافت نسيانه بل يجب لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب) اهـ
تتمة:
في المصنف لابن أبي شيبة (7/ 162) باب في نسيان القرآن:
(1) حدثنا محمد بن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد قال: حدثني فلان عن سعد بن عبادة قال: حدثنيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما من أحد يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله وهو أجذم}.
(2) حدثنا وكيع عن ابن أبي داود عن الضحاك قال: ما تعلم رجل القرآن ثم نسيه إلا بذنب ثم قرأ الضحاك {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} ثم قال الضحاك: وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن.
(3) حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الكريم بن أبي أمية عن طلق بن حبيب قال: من تعلم القرآن ثم نسيه من غير عذر حط عنه بكل آية درجة وجاء يوم القيامة مخصوما.
¥